الحرب
في دارفور:
تأثير عنصر
الموارد
في عام
1983، حينما كان
جفاف منطقة
الساحل الأفريقي
(Sahel) لأعوام
1982/1984
في أعلى
حالاته،
إنفجرت
إشتباكات حول
الأرض بين
مزارعي جبل
مرّة وبين
الرعاة من
شمال دارفور.
وقد سمح سوء
القيادة على
المستوى
المحلي وعلى
مستوى الحكومة
المركزيّة
للإشتباكات
بالتصاعد
وبلوغ مستوى
النزاع
الدموي
المسلّح. وقد
ساعد عدد من
العوامل
الذاتيّة
والموضوعيّة،
من بينها القرب
من الحرب
الليبيّة-
التشاديّة،
من تصعيد هذا
التدهور بشكل
هائل. وفي عام 2003
إنفجرت الحرب
في دارفور ومازالت
مستعرة. وخلال
ذلك صارت
الإشتباكات
حول الأرض
حرباً حول
الهويّة: سودانيّون
من أصول
عربيّة
يحاربون
سودانيين من
أصول أفريقيّة.
ويبدو هذا
التحوّل
المتميّز
للحرب من حرب
حول الموارد
إلى حرب
عرقيّة (إثنيّة)
طبيعة ملازمة
للعديد من
النزاعات
الدمويّة في
القرن
الأفريقي
ومنطقة
الساحل. والحقيقة
هي أنّه إذا
تُرك نزاع
موارد ليستمر
ويتفاقم فلا
بد أنه سيبلغ
مستوى حرب
هويّة!
إن
التصاعد
والإنتقال
إلى مستوى حرب
هويّة تجعل
جهود إدارة
وحل نزاع ما
يعتبر،
بالطبع، أمراً في غاية
الصعوبة.
والأمل الوحيد
بالنسبة
لدارفور
اليوم هو أن تتفاهم
كل
الأطراف
المعنيّة وتتفق
على إقتسام
الموارد في
أوقات الندرة.
ولكن الموارد
الفعليّة
والمحتملة
لدارفور يجب
أن تجعل مثل
هذا الإقتسام
مؤقّتاً. إن
دارفور، ذات
الرقعة
الجغرافيّة
التي تبلغ حجم
مساحة فرنسا،
وذات الموارد المائيّة
الوفيرة التي
يمكن أن تكفي
إحتياجات
المنطقة من
المياه لأكثر
من 250 سنة،
وبإمكانياتها
المحتملة
الضخمة من الثروات
المعدنيّة ،
خصوصاً الذهب
والفضة
واليورانيوم،
يمكن أن تطوّر
المنطقة. ومن
المحتمل
أيضاً أن يكون
هناك، في باطن
أرض دارفور،
مخزون نفط ، فقد وجد النفط
بكميّات
كبيرة على يمين
ويسار دارفور.
كانت
الأشتباكات
تدور حول
موارد، لكن
الحرب صارت في
الغالب، حول
الهويّة.
وسيكون من
الصعب معالجة
وحل ، وفي آخر
المطافً،
تحويل هذا
النزاع التراجيدي.
ويمكن لموارد
المنطقة
البشريّة والطبيعيّة
أن تكون، في
نهاية الامر،
هي الطريقة
العمليّة
الوحيدة
لتحقيق سلام
مستدام. ويمكن
للموارد أن
تكون لعنة في
حالة وقوعها
تحت أيدي
قيادة غير
حكيمة. ولكنها،
بكل تأكيد،
تستطيع، في ظل
ظروف مواتية،
أن تكون أفضل
وسيلة
للتقدّم نحو
سلام مستدام.
1- البيئة:
بُعد جديد في
المشهد
السياسي
والإجتماعي
في السودان
إن الحياة في
السودان، كما
في أجزاء أخرى
من القارة
الأفريقيّة،
تعتمد على
وجود توازن
دقيق بين
التربة
والمناخ والماء
والنبات.
وخلال العقود
الاربعة
الأخيرة من
السنوات
تعرّض هذا
التوازن
للإختلال، خصوصاً
في المناطق
الواسعة،
الجافة وشبه
الجافة في
النصف
الشمالي من
البلاد.
وبالإضافة للجفاف
المستمر فإن
الطرق غير
الرشيدة
والجائرة لإستخدام
الأرض،
كالتوسّع
المطّرد في
إستخدام
أساليب
الزراعة
الآليّة في
مناطق الري
المطري
والرعي
المكثّق،
يعملان على
تدمير النظام
الإيكولوجي
لمنطقة حزام
السافنّا
السوداني
الذي يسكنه 70
في المائة من
سكان البلاد.
وقد أجبر
ملايين
البشرعلى ترك
ديارهم
وصاروا
نازحين ؛
وتعاظمت
أعدادهم لدرجة
جعلت
السودان، في
الواقع، أكبر
بلد في العالم
به نازحين ،
إذ صارت
نسبتهم تبلغ
نسبة: نازح واحد
لكل ستة
مستقرين.
1 .2 إستخراج
الثروات
تسارعت،
بشكل هائل، الوتائر
البطيئة لعمليّة
بلاء وتجدّد
البيئة وذلك
بسبب عملية
إستخراج
الثروات
الطبيعيّة غير
المسبوقة. وقد
قام بهذه
العمليّة
أعضاء من الطبقة
التجاريّة
السودانيّة
الشماليّة،
المعروفة
بإسم
الجلاّبة.
وبالإضافة لذلك
فإنّ شروط
الديون التي
فرضها البنك
الدولي
وصندوق النقد
الدولي قد
صعّدت من
إعادة هيكلة
إستخدام موارد
السودان
بعيداً عن
الحاجات
المحليّة وعن
الاسواق
المحليّة وفي
إتجاه مطالب
السوق
العالمي. وقد
حطّمت
الزراعة
الآليّة واسعة
النطاق نحو 17
مليون
هكتاراً من
الاراضي من
خلال الإستخدام
غير
الرشيد
للأرض. وقد
جرّدت عمليّة
إزالة
الغابات شمال
السودان كلّه
من غابات
قديمة شاسعة
كانت تحتل منطقة
تبلغ مساحتها
ثلاثة أضعاف
مساحة فرنسا.
وتستمر
الحكومة
الحاليّة في
هذه السياسة الكوارثيّة.
وقد وزّعت
الحكومة في
عام 1993 8
ملايين هكتار
على مؤيّديها.
كما مُنح شخص
واحد نصف
مليون هكتار،
أو نحو نصف
مساحة لبنان، مقابل
بضعة آلاف من
الدولارات! ( د.
محمد سليمان
محمد،
السودان، حروب
الموارد
والهويّة).
لقد ترافق
الإستغلال
غير الرشيد
للموارد مع
التدهور
المستمر لشروط
التجارة
الدوليّة
الذي جاء
نتيجة إنهيار
أسعار السلع
الأوليّة،
مما كان له وقع
الصدمة على
السوق
الداخليّة
التي ساءت فيها
أيضاً شروط
التجارة. وصار
على
المزارعين
والرعاة، لكي
يحافظوا على
مستوى
معاشهم، أن
ينتجوا اكثر
من قاعدة موارد
مضمحلّة. فإذا فشلوا
في ذلك فلن
يكون لهم من
خيار سوى تغيير
مكان إقامتهم
والإلتحاق
بملايين الفقراء
والمعدمين.
3.1 – إعاقة
القدرة على
الحركة
كان
الناس في الماضي،
حين تتردّي
شروط
أوضاعهم،
يتحرّكون إلى
المناطق
القريبة
والأفضل من
الناحية الإبكولوجيّة. ولكن "
خيار
الترحال" هذا
تعرّض لتحجيم
كبير نتيجة
لإرتفاع
الكثافة السكانيّة
، والتوسّع
الكبير في
الزراعة
الآليّة،
والتوتر
السياسي
والعرقي،
والتدهور
العام للوضع
البيئي. ومع
ضعف قدرة
السلطة
المركزيّة
على بسط سلطة
القانون والنظام
في أطراف
البلاد زادت
أهميّة
إعتبارات السلامة
الشخصيّة في
حالات إتخاذ
الناس
للقرارات
المتعلّقة
بترك ديارهم
والتحرّك نحو
المراكز
الحضريّة،
حيث يتوفّر
الغذاء
والسلامة
الشخصيّة
بشكل أفضل، نسبيّاً،
من غيرها من
الأماكن.
إن تحرّك
الناس
وقطعانهم، من
منطقة متضرّرة
من
الناحية
الإيكولوجيّة
إلى أخرى تحتّلها
سلفاً مجموعة
إثنيّة
مختلفة، يعتبر
وصفة جاهزة
للتوتر
والعداوات.
وكان الناس
يتوصّلون
لإتفاقيّات
مشروطة حين
كانت الحاجة للمشاركة
في الأرض تحدث
بين حين وآخر.
لكن الآن، وقد
صارت الحاجة
لذلك تمتد
لفترات طويلة
( بل وحتى
لمشاركة دائمة)،
فإن الضغوط
صارت أكبر.
وتسود هذه
الصعوبات ،على
نحو خاص، في
شرق السودان،
وفي المناطق
التي ضربها
الجفاف في
دارفور وكردفان.
في
الواقع، لم
يعد ممكناً
إجراء تحليل
بشكل صائب وإدراك
لأيّ ظاهرة
إجتماعيّة أو
سياسيّة كبيرة
في السودان
دون الإشارة
للتحولات
المناخيّة
والبيئيّة
التي حلّت
بالبلاد
مؤخّراً. لقد
صارت هذه التحولات
المناخيّة
والبيئيّة
عناصر حاسمة
في فهم النزاع
في جبل مرّة
في دارفور،
وفي جبال
النوبا في
جنوب كردفان،
وقد لعبت دوراً
هاماً في
التعجيل
بالحرب
الأهليّة الثانية
بين الشمال
والجنوب. كما
سلّطت،
أيضاً، الضوء
على الزيادة
السكانيّة
الهائلة للمدن
نتيجة لتحرّك
ستة أو سبعة ملايين
نازح بسبب
الحرب
والجفاف إلى
المراكز
الحضريّة،
ودور هؤلاء
النازحين في
الحياة
والسياسة
السودانيّة
المعاصرة.
1. 4-
الإثنيّة
ظلّت
فكرة الخلاف
السلالي
(القبلي)
والعرقي
مهيمنة،
لعشرات
السنين، على
معظم محاولات
تفسير أسباب
إندلاع النزاعات
الدمويّة في
أفريقيا جنوب-
الصحراء. ومن
خلال ربط
التنوّع
السلالي
والعشائري
الموجود في
القارة
الأفريقيّة
بثقافة المنافسة
التي فرضتها
البيئات
القاسية وضيق
الفرص
المتاحة
للإستفادة من
الثروات
الطبيعيّة
والإجتماعيّة،
أُعتبر النزاع
السلالي أمر
مسلّم به ( فكوي
و تورتون 1979). وحسب
وجهة النظر
هذه فإنّ النزاع
السلالي
يعتبر جزءاً
من الإرث
التاريخي
الملقى على
كاهل الدول
الإفريقيّة
الحديثة
كنتاج ومؤشر لإتجاهات
المحافظة
الثقافيّة والنظرة
التقليديّة
التي يفترض سيادتها
في المجتمعات الريفيّة
الأفريقيّة.
لكن
التفسير
المعياري
للعشائريّة
الأفريقيّة
بوصفها إحدى
مخلّفات
الأوضاع
الفطريّة
تعرّض للنقد
منذ ستينيّات
القرن الماضي
وما بعدها.
لقد وجّه
علماء
الانثروبولوجيا
إنتقاداتهم
للإفتراضات
الرائجة التي
تتعلّق
بالعشائر (
القبائل) كأصل
للهويّة
الإنسانيّة،
وذلك
إستناداً إلى
مرجعيّة
ترتكز إلى
ظواهر مثل
الهويّة
الثقافيّة
والهويّة الظرفيّة
والتوزيع غير
المتوازي
للملكيّة الثقافيّة
وابتكار التقاليد
( بارث، 1969؛
رينجر و
هوبسبوم 1983؛
هولي، 1987؛
إيركسون، 1993).
والعشئريّة،
بعيداً عن
أنها تمثّل
إحدى المخلفات
التاريخيّة،
فإن صياغتها
ظلّت تعاد
بوصفها ظاهرة
جديدة تتشكّل
مع تشكّل
الأشخاص
قبليّاً في
مواجهة
التحدّيات.
لذلك لم يعد
يُنظر
للعشائريّة
كسبب وإنما
كناتج للحروب.
( فوكوي و
ماركاكيس، 1994؛
جور و هارف، 1994).
ولكن مع مرور
الزمن فإنّ من
الممكن أن
تتبدّل
الأُصول
العشائريّة
من كونها
نتيجة لتصير
سبباً من
أسباب الحرب.
1. 5 – تستمر
الكثير من
النزاعات
السلاليّة
لفترة طويلة
من الزمن،
لذلك فهناك
ضرورة لمعرفة
ما يفعله
الزمن في
أسبابها
وأشكال
إدراكها وتجلّياتها.
إن مجرى الزمن
يترك أثره على
بعض العمليّات،
فيعضّد بعضها
ويطمس البعض
الآخر طمساً
كاملاً. ونحن
لا نستطيع غير
التكهن بنتائج
أفعالنا التي
نقوم بها
اليوم، خاصةً
إذا وضعنا في
الإعتبار ما
تحدثه
العوامل الذاتيّة
والإمكانيّة
الفعليّة لأن
يتحوّل أحد
هذه العوامل
الذاتيّة إلى
عامل موضوعي،
والعكس صحيح
أيضاً.
وتُظهر
هذه الورقة
الإمكانيّة
عميقة الجذور
في النزاعات
الدمويّة
طويلة الأمد
وهي أن بعض عوامل
الهويّة،
كالعرقيّة
والإنتماءات
الثقافيّة
والدينيّة،
والتي هي في
الأساس
تصنيفات
أيدولوجيّة
وفلسقيّة
مجرّدة تؤثر
مباشرة على
نطاق الإدراك
والحس، يمكن
أن تتحوّل، مع
مرور الزمن،
إلى قوى
موضوعيّة
(ماديّة) وإجتماعيّة.
إن
العشائريّة،
على سبيل
المثال،
والتي تُفرز
أحياناً
كناتج للصراع
الدموي، يمكن
أن تصير في
نهاية المطاف
سبباً موضوعيّاً
لنزاع قائم أو
مستقبلي،
خاصة إذا أخذنا
في الإعتبار
أن الآثار قد
تتحوّل،
بمرور الزمن،
إلى أسباب،
والعكس صحيح
أيضاَ.
إن
الإنقسامات
العرقيّة
والدينيّة
والثقافيّة
تؤثّر
تأثيراً
فعالاً في
عمليّة إدراك الناس
للنزاعات
الدمويّة. وبقدرما
يطول أمد نزاع
ما بقدرما
ترتفع أكثر
وأكثر
الحواجز
العرقيّة
وتتعاظم
إمكانيّة أن
يزيد
الإنقسام
العرقي من
الأسباب
الاوليّة
للنزاع، وقد
يتعداها، مع
مرور الزمن، ليصير
هو العامل
المهيمن.
يبدو
على معظم
نزاعات العنف
التي درسناها
أنّها بدأت
حول موارد
ماديّة، سواء
كانت هذه الموارد
فعليّة أو
متصوّرة.
ولكن، مع مرور
الزمن يبدو
أنّ
الإنتماءات
العرقيّة
والثقافيّة
والدينيّة
تتعرّض
لتحوّلات من
مقولات
أيدولوجيّة تجريديّة
إلى قوى
إجتماعيّة
محدّدة.
ولمعنى واسع،
فإنّ موضوعات
الهويّة هذه
تصير موارد إجتماعبّة
في حد ذاتها
يدور التنافس
حولها، ومن ثم
تغدو أسباباّ
محتملة في
صراع سياسي
ونزاع دموي
جديد.
إن
الآثار
الجانبيّة
الناجمة عن
التضادات العرقيّة
والثقافيّة
والروحيّة قد
تصبح مع تقدّم
نزاع ما
أسباباً
حقيقيّة
وجوهريّة له، وبالتالي
تقلّص من
إحتمالات
معالجته
وحلّه وتغيير
مساره في
نهاية الأمر. لقد
بدأت الحرب في
دارفور
كإشتباكات
بين
المزارعين
والرعاة حول
مورد مادي
محدّد، هو
الأرض. ومع
مرور الزمن وزيادة
الخسائر في
الأرواح
والممتلكات
بدأ البعد
العرق يبرز
كسبب ثانِ في
النزاع. وعمل
التأجيج
اللاحق
للقتال
والخسائر الأكبر
في الأرواح
والممتلكات على
دفع البعد
العرقي إلى
الصدارة
بوصفه الدافع
الأكثر
أهميّة في
النزاع. وهكذا
صار النزاع
نزاعاً
عرقيّاً
ونزاعاً على
الموارد. ومع
تواصل المزيد
من الخسائر
لاحقاَ فإن
النزاع
يتحوّل إلى
نزاع حول
الهويّة.
نزاع
موارد ... خسائر
في الأرواح
والممتلكات ...
نزاع موارد
وهويّة ... خسائر
في الأرواح
والممتلكات ...
نزاع هويّة
وموارد ... خسائر
في الاوراح
والممتلكات ...
نزاع هويّة.
(أنظر
سليمان،
محمد، 1998،
تحوّل البعد
العرقي من وعي
بنزاع دموي
إلى سبب له،
فريدينسبيرشت،
فيرلاغ
رويغير،
زيورخ).
1.
6 – الحدود البيئيّة
والعرقيّة
كثيراً
ما تغدو الحدود
البيئيّة
حدوداً
عرقيّة
وثقافيّة؛
ذلك أن
المحاور
البيئيّة
المختلفة
تتطلّب أنظمة
إنتاج
إجتماعيّة
مناسبة. وعلى
صعيد الأرياف
الأفريقيّة
فإنّ هذا
المطلب يفسّر
وجود أنظمة
مختلفة
لإستغلال
الأرض. وفي
المناطق شبه
الجافة يعتبر
شكل الإنتاج
الرعوي شكلاً
قابلاً للتطبيق،
ويملك القدرة
على الصمود في
الصراع من أجل
البقاء. وعبر
السنين
تبلورت
السماة الثقافيّة
والسلاليّة
المحدّدة
للرعاة الرحّل
والتي
تميّزهم عن
جيرانهم
الزرّاع المستقرين.
إن الحدود
البيئيّة
تتحوّل،
تدريجيّاً،
من خلال
التمايز في
أنماط
الإنتاج إلى
خطوط تمايز
عرقي وثقافي
يلتقي السكان
من على
جانبيها للتعاون
أو الإقتتال.
تبعاً
لذلك فإن
التأقلم على
بيئات
إيكولوجيّة
متنوّعة تجلب
معها إختلافات
في الثقافة
الماديّة ومظاهر
التنظيم
الإجتماعي
مثل إختلافات
اللغة
والتقاليد
الإجتماعيّة
والملابس
وأساليب طهي الطعام،
والتي تعتبر
معايير
رئيسيّة في
التمييز
العرقي. وتصبح
هذه الإختلافات
خطيرة بمجرد
نشوء نزاع حول
تحديد نصيب في
موارد مشتركة
أو حديثة
الإكتشاف أو
الإحتلال. ونتيجة
لذلك فإنّ
الأراضي
الحدوديّة هي
التي تصير، في
كثير من
الأحيان، نقاط
التوتر لأوسع
أشكال النزاع
بين المجموعات
المتجاورة.
وبينما يبحث
كل منافس عن
وسائل لجذب الحد
الاقصى من
المساندة له فإن
الإنتماء
العرقي يعتبر
أكثر صرخات
الحشد
المعنوي
دويّاً. وكما
لاحظ ماركاكيس
(فوكوي و
ماركاكيس، 1994)
فإنّه ومن بين
كل الأسلحة
الأيدولوجيّة
التي استخدمت
في الحروب الافريقية،
كالقوميّة
والإشتراكيّة
والدين
والإنتماء
العرقي، فإنّ
الأخير
(الإنتماء
العرقي) هو
الذي أثبت إلى
حدّ كبير أن
له القدح
المعلّى
كمبدأ للتضامن
السياسي
ولحشد
المناصرين،
بالإضافة إلى
كونه، قوّة
سياسيّة
مسيطرة.
والنتيجة أن
النزاع حول
الثروات
الماديّة،
إذا ما تدثّر
برمزيّة
الصراع من أجل
البقاء
العرقي
وتغذّى بالدائرة
المفرغة
للإنتقام
فإنّه يمكن أن
يظلّ محتدماً
لفترة أطول
حتى بعد أن
تتم تسوية القضيّة
التي
كانت في البدء
سبباً لتفجير
الصراع (صراع
الموارد
الاول).
كان
الإتجاه
السائد في
الماضي هو أن
يتعاون الناس
على جانبي الحدود
البيئيّة
والثقافيّة
فيتبادلون
البضائع
والخدمات،
ويتقاسمون
إستخدام أصول
الثروة
المتجدّدة. وكانت
الحدود مناطق عبور
للتعاون وليس
لمواجهات
العنف. لكن
التنافس على
الثروات
الطبيعيّة
والخدمات
تزايد بسبب
الضغوط
البيئيّة
والإجتماعيّة
والإقتصاديّة
وانتقل التوازن
بين الحرب
والسلام،
تدريجيّاً
حيناً وفجائيّاً
حيناً آخر،
نحو
المواجهات.
وفي هذا السياق
يخترق السكان
والحيوانات
والدبابات والجرارات
هذه الحدود
البيئيّة
والعرقيّة والثقافية.
فمثلاً، لقد
دخل الرعاة الرحّل
من قبيلة
الزغاوة
وغيرهم، والذين
عانوا من جفاف
دام طويلاً في
السهول، إلى
منطقة جبل
مرّة (ولاية شمال
دارفور) على
أمل الإقامة
فيه لأمد غير
قصير. أما
قبائل
البقارة
العربيّة
فإنّ رغبتهم تركّزت
في الحصول على
الإمتيازات
نفسها
لأنفسهم في
مناطق جبال
النوبا (
ولاية جنوب
كردفان).
ويقدّم نزاع
قبائل
الطوارق في دولة
مالي ونزاع
قبائل
الكازامانس
في السنغال
والإضطرابات
في منطقة
البوران بجنوب
أثيوبيا
أمثلة
لنزاعات
مشابهة حول
الموارد.
وهكذا
فإن النزاعات
على الثروات
الإقتصاديّة
والطبيعيّة
المتجدّدة
توصف، في بعض
الاحيان
خطأً، بأنّها
نزاعات
عرقيّة –
ثقافيّة وذلك
لأنّ الجماعات
المتحاربة
تأتي من
خلفيّات
عرقيّة –
ثقافيّة
مغايرة.
تعتبر
الصومال من
الدول التي
تتميّز
ب"نقاء" عرقي
ديني وثقافي
كبير. ومع ذلك
فإنّه حين
تصاعد الصراع
، في تسعينات القرن
الماضي، من
أجل السيطرة
على السلطة والإقتصاد،
ومن أجل
الحصول على
نصيب أكبر من
مصادر الثروة
الطبيعيّة
المتجدّدة،
وعلى رأسها الأرض
والمياه،
إتجه المتنافسون
لتأجيج الخلافات
بين البطون
والعشائر
والأفخاذ،
وخاضوا الحرب
على أساس هذا
البعد العشائري
والولاءات
الفطريّة
لتحقيق
المكاسب
الإقتصاديّة
وإحكام
سيطرتهم على
مقاليد الحكم.
لقد أثبتت
التجربة الإنسانيّة
أنّه من
النادر أن
تفصح الحروب
عن دوافعها
الحقيقيّة،
الشيء الذي لم
تختلف فيه الحرب
الاهليّة
الصوماليّة
عن غيرها، لكن
إذا استمر
النزاع
الدموي في
الصومال لبضع
سنوات أخر
فإنّ الحواجز
العشائريّة
الرخوة بين الصوماليّين
ستتصلّب
وتتحوّل إلى
عناصر إنقسام
عرقي قوي؛
وستصير هي
نفسها،
بالتالي،
عناصر تفجير
لعنف جديد.
وهذا ما يجعل
من عمليّة
إيجاد تسوية
أيّ نزاع جديد
مهمة أكثر
سهولة من الوصول
إلى تسوية
نزاع جديد.
هناك
عنصر تعقيد
إضافي هو
انتشار الأسلحة
الحديثة التي
حوّلت مظاهر
الحرب الأهليّة
في أفريقيا من
مجرّد إستعراض
للقوّة إلى
إقتتال على
نطاق واسع. إن
الاسلحة
الحديثة تقتل
أعداداً
كبيرة من
البشر بسرعة
فائقة مما
يقلّل كثيراً
من حجم الزمن
المتاح
لإجراء وساطات
( أجاويد)
والتدخّل
للحيلولة دون
اندلاع الحرب
وتوسّع
سعيرها،
الشيء الذي
يضاعف من
الصعوبات
التي يواجهها
من يتصدّون
للوصول إلى
السلام
وتسوية
النزاعات الداخليّة
الراهنة.
2-
الحرب في
دارفور
أو الصراع
المستمر بين
مزارعي
الواحة وبدو
الصحراء
في
محاولة لتقصي
مدى حجم تأثير
التغيير الإيكولوجي
في شمال
دارفور على
أوضاع الحرب
والسلام، في
التاريخ
المعاصر لهذه
المنطقة، يبدو
جليّاً أن
أكثر ما
يسترعي
الملاحظة هو
ظاهرة أنّ
المزارعين
المستقرين
والرعاة
البدو مرتبطون
مع بعضهم
البعض بوشائج
متقاطعة
ومتواصلة من
تضامن
وتناحر،
وتعاون
وتصادم. فهم
يتضامنون في
حالات الشدّة
العابرة أما
في الأوقات
العصيبة، حين
تصير أرواحهم
وممتلكاتهم نفسها
في خطر،
فإنّهم
يتناحرون في
اقتتال مميت.
إن
النزاع
الدموي الذي
ظلّ
متأجّجاً،
منذ منتصف
ثمانينيّات
القرن
العشرين، في
منطقة جبل
مرّة
بدارفور،
يعتبر نزاعاً
إيكولوجيّاً تقليديّاً
يجري على
إمتداد حدود
إيكولوجيّة
بعينها، في
هذه الحالة
على إمتداد
السهول شبه
الجافة التي
يتجوّل فيها
الرعاة
الرحّل من ذوي
الأصول
العربيّة،
وتحدّه من
الجنوب واحة
خصبة دائمة
الخضرة في
منطقة جبل
مرّة التي
يسكنها
المزارعون
المستقرّون
من قبيلة
الفور.
2.
1 – آثار التردي
الإيكولوجي
أصيبت
الأوضاع
المتناغمة،
نسبيّاً، في
ولاية شمال
دارفور
باختلال
هائل، خلال
ثمانينيّات
القرن
الماضي، بسبب
الجفاف
الطويل- الذي
ظلّ مستمراً،
ماعدا فترات
متقطّعة، منذ
عام 1967- وما نتج
عن ذلك من
تحرّكات
واسعة لم يسبق
لها مثيل
للجماعات
السكّانيّة
بالمنطقة،
ومن إفقار
وعوز اصابا
سكان المحاور
القاحلة وشبه
القاحلة،
المتأثرة بالجفاف.
وقد أجريت
العديد من
الدراسات عن
الآثار الإجتماعيّة
والإقتصاديّة
للجفاف على
سكّان تلك
المناطق (
النور، 1992) لكن
لم تعط سوى
القليل من
الإهتمام لتأثيره على
النزاعات
الدمويّة،
الواسعة منها
والمحدودة.
ولقد نتجت عن ذلك
تصوّرات
خاطئة كبيرة؛ فمن
ناحية نُسِب
التردي
البيئي إلى أسباب
إقتصاديّة
وإجتماعيّة،
ومن الناحية الأخرى
فُسّرت
النزاعات
الناتجة عن
هذا التردي
البيئي من
منطلقات
عرقيّة
وسياسيّة.
لم
يعد من
المقبول فقط ،
وإنما من
المفضّل
فعلاً،
إستقصاء
ومعرفة تأثير
التغيّرات
البيئيّة
المباشرة
وغير المباشرة
على الاحداث
السياسيّة
والإقتصاديّة
والإجتماعيّة،
في المناطق
المتأثرة
بالمحن. وفي
هذا المقام
تمثّل ولاية
دارفور
نموذجاً مناسباً
للتقصِّي
بوصفها واحدة
من أكثر
المناطق توتّراً
في البلاد؛
ومن أكثر
المناطق التي
شهدت زعزعة
أمنيّة واسعة
النطاق، بالإضافة
إلى أنّها من
أكثر البقاع
تأثّراً
بمشاكل
متداخلة انبثقت
من التردّي
البيئي
والنزاعات
الدمويّة طويلة
الأمد ( دي وال
1989؛ ماكسويل 1991؛
توبين 1985).
2.2
– الجفاف
والتصحّر في
شمال دارفور
وكردفان
يعتبر
الجفاف أحد
المظاهر
الموروثة لأراضي
المناطق
الجافة بغرب
السودان في
ولايات شمالي
دارفور
وكردفان. ولقد
مرّت 5 فترات
جفاف على
المنطقة خلال
المائة عام
الماضية،
إثنتان منهما
وقعتا خلال
العشرين
عاماً الأخيرة.
وفي هذه
المناطق التي
يتراوح متوسّط
معدّل سقوط
الأمطار فيها
بين 100-600
مليمتراً- مع
العلم بأن
انخفاض 100 مليمتراً
فقط من متوسط
معدّل
الأمطار
السنوي يمكن
أن يحدث أثاراً
سلبيّة كبيرة
بالبشر
والحيوانات.
يكشف
منسوب
الأمطار خلال
سنوات 1950- 1990 عن
وجود 3 فترات
جفاف طويلة،
إحداها وقعت
في منتصف
الستينيّات
وتميّزت
بجفاف خفيف
نسبيّاً، وتميّزت
الفترة
الثانية التي
وقعت خلال
سنوات 1972 – 1975
بجفاف شديد
نسبيّاً وتميّزت
الثالثة التي
وقعت خلال
سنوات 1982- 1984
بجفاف شديد
جداً. وصاحب
فترات الجفاف
هذه إندلاع
مناوشات متفرّقة
واشتباكات
مسلّحة وقعت
أسوأها في
منتصف
الثمانينيّات
واتخذت شكل
صراع مسلّح
عالي الوتيرة
تحوّل في
مابعد إلى حرب.
يبيّن
الشكل أدناه العلاقة
المتبادلة
بين معدّل
هطول الأمطار
واندلاع
الصدامات
وتأجّج
النزاعات
خلال حقبة تمتد
إلى 30 عاماً ( 1957- 1987).
ويبيّن الشكل
البياني وتيرتين
هامتين هما:
معدّل
الزيادة في
حوادث النزاع
وعلاقتها
بتناقص هطول
الأمطار؛
ونلاحظ هنا أن
الحد الأدنى
لسقوط
الأمطار
يتأخّر عن
الحد الأقصى
لتأجّج
النزاعات
مدّة عام كامل
تقريباً هي
فترة تفاعل
كامن إلى أن
يبلغ تأثير
الجفاف مداه (
أنظر الشكل 1
أدناه).
الشكل
(1)
العلاقة
التبادلية
بين معدل سقوط
الأمطار ونشوب
النزاعات في
شمال دارفور (1950 –
1990)
يظهر
الشكل أيضاً
الإختلاف بين
تأثير جفاف
منتصف سبعينيّات
القرن
العشرين
وجفاف منتصف
الثمانينيّات،
اللذين كان
أولهما متوسط
الوطأة والثاني
شديد الوطأة
لكن فترة
الجفاف الاخير
تسبّبت في
إضطرابات
إجتماعيّة
وصدامات مسلّحة
أكبر حجماً (
أنظر الشكل 1).
جلب
جفاف عقد ثمانينيّات
القرن الماضي
مجاعة ونزوح
ونزاع مسلّح
عالي الوتيرة
تجاوز كثيراً
آثار جفاف عقد
سبعينيّات
القرن الماضي.
ولعل
التفسيرات المحتملة
لهذا
الإختلاف
يمكن أن تكون
ما يلي:
1)
كان
إنتاج الغذاء
في السودان،
خلال سبعينيّات
القرن
الماضي،
موجّهاً نحو
تلبية إحتياجات
الاسواق
المحليّة،
أما في ثمانينيّات
القرن الماضي
فإنّه اتجه
نحو التصدير.
2)
خلال
سبعينيّات
القرن الماضي
استطاع الغذاء
المحلّي
والمخزون
الإحتياطي قي
دارفور أن يخفّف
من تأثير
الجفاف لكن
الثمانينيّات
وجدت
الإحتياطي قد
تلاشى.
3)
كانت
الإدارات
المحليّة
التقليديّة
خلال سبعينيّات
القرن الماضي
مازالت تعمل
بكفاءة وقدرة
على دعم
المجتمعات
المحليّة،
لكنها أُلغيت
قبل عقد
الثمانينيّات
بواسطة حكومة
الرئيس
الأسبق جعفر
نميري.
4)
في
سبيعينيّات
القرن الماضي
كانت هناك
فترة سلام
نسبي في
السودان وفي
البلدان
المجاورة؛
لكن الثمانينيّات
شهدت انفجار
الحرب
الأهليّة في
السودان،
واندلاع
الحرب
التشاديّة-
الليبيّة،
واتساع نطاقها
ليؤثر على
حالة الحرب
والسلام.
منذ
حلول الجفاف بدأ
الإقتصاد
الريفي في
الإنهيار.
ماتت أعداد
كبيرة من
الحيوانات
وأُجبر الرعاة
على التخلّص
من حيواناتهم
المتبقّية
بأسعار زهيدة.
وأدار تجّار
المدن- مرّة
أخرى- ظهورهم
للإقتصاد
الريفي المتداعي
وتركوه يواجه
مصيره
منفرداً. وبعد
أن هجرته
الطبيعة
وهجره التجّار
ألمّ به الفقر
والمجاعة
وصارت الحياة
معاناة
حقيقيّة. وفي تلك
اللحظة صار
المجتمع
الريفي
مهيّأً للتفكّك
والإضطرابات
والصدامات
المسلّحة،
وأخيراً
الحرب. وهذا
على وجه
التحديد ما
حدث في شمال
دارفور في
منتصف
ثمانينيّات
القرن الماضي.
2.
3– الارض
تقع
دارفور في
أقاصي غرب
السودان بين
خطوط الطول 22 و27
وخطوط العرض 10
و 16، وتبلغ
مساحتها
الكليّة 549 ألف
كيلومتراً
مربع ( بحجم
مساحة فرنسا)
، وتشترك في
الحدود مع كل
من مصر وليبيا
وتشاد وأفريقيا
الوسطى.
ويتراوح عدد
سكانها بين 4.5 و
5.5 مليون نسمة.
ينقسم
سكان المنطقة
إلى مجموعتين
عرقيّتين رئيسيّتين:
إحداهما ذات
أصول عربيّة
والثانية ذات
أصول محليّة
غير عربيّة. وقد
زاد هذا
الإنقسام
بروزاً وحدّة
فيما بعد،
بسبب
التركيبة
المهنيّة
الإقتصاديّة
للمنطقة
والتوزيع
الجغرافي-
السلالي والعشائري
للسكان.
تتوافق
أساليب كسب
العيش في
دارفور
تماماً مع
توزيع
مجموعاتها
السلاليّة (
الإثنيّة)؛ فالمجموعات
ذات الأصول
العربيّة هم
من الرحّل الذين
يعملون إمّا
في رعي
الابقار أو
الإبل بينما
يعيش السكان
من الأصول غير
العربيّة ،
عدا الزغاوة،
حياة إستقرار
تعتمد بشكل
محدود على
الزراعة التقليديّة.
ومع أن
المنطقة تسمى
دارفور، مما
يعني أنّها أرض
قبيلة الفور،
أكبر مجموعة
عرقيّة في المنطقة،
إلاّ أنّ
المنطقة
تنقسم
فعليّاً إلى تقسيمات
فرعيّة يطلق
على كل منها
إسم " دار"
وتعني "وطن"،
وكل دار تشكّل
الهويّة
الإجتماعيّة
والسياسيّة
والثقافيّة
للمجموعة
المحدّدة إذ
ترى فيها
تجسيداً
لمكانتها
الجماعيّة
وفضاءها
الثقافي.
لذلك، وعلى
الرغم من
التقسيم الرسمي
للمنطقة إلى
محافظات
ومجالس وغير
ذلك من تقسيمات
فإنّ
التقسيمات
التقليديّة
إلى " دار" تظلّ
هي الأكثر
أهميّة في
إطار
الجماعات
السلاليّة (
الإثنيّة).
وتنقسم
المنطقة
تقليديّاً
إلى 3 ديار
رئيسيّة؛ ففي
الشمال دار
زغاوة وفي
الوسط دار
الفور وفي
الجنوب دار الرزيقات.
كما أن
للمجموعات
الصغيرة
الأخرى ديارها
أيضاً (أنظر
الخريطة 1).
الخريطة (1)
التركيب
العرقي
لدارفور
2. 4 –
الإيكولوجيا
إن الظروف
المناخيّة
والنباتيّة
في ولاية شمال
دارفور تماثل
ظروف المحور
الإيكولوجي
لحزام الساحل
الافريقي،
الذي تمثّل
فيه تضاريس
المنطقة
عنصراً
أساسيّاً
للتمايز. ونجد
أن منطقة جبل
مرّة
البركانيّة
وامتداداتها
الشرقيّة التي
يبلغ ارتفاع
قمّتها 3071
متراً فوق سطح
الارض، وتغطّي
مساحة 100 ألف
كيلومتر
مربّع، تفصل
المناطق
المرتفعة في
الغرب عن
المناطق المنخفضة
في الشرق.
وبينما
تتميّز
المناطق الغربيّة
بتربة هشّة
معرّضة على
الدوام للتّعرية
( سيكيليتيك
ضحلة) وإلى
الإنجراف
أمام مياه الوديان،
فإنّ المناطق
الشرقيّة
تغطيها تربة رمليّة
خشنة من
الكثبان
القديمة. وعلى
عكس ذلك فإنّ
تربة جبل مرّة:
"تظهر
تدرّجاً
متناسقاً مع
الإرتفاع.
ووفقاً لتقرير
منظمة
الزراعة
والأغذية
الدوليّة (الفاو)
فإنّ تربة
سفوح جبل مرّة
مغطاة بطبقة
رسوبيّة
سميكة من
الرماد البركاني
الذي يصلح
كثيراً
للزراعة ، لكن
له في الوقت نفسه،
قابليّة
كبيرة
للتعرية
وتكوين
أخاديد عميقة،
وفي الواقع
فإنّ قبائل
الفور ظلّت تمارس
زراعة
المرتفعات
منذ زمن طويل".
(إبراهيم، 1984).
يسود
القسم
الشمالي من
المنطقة مناخ
صحراوي حار
جاف والقسم
الجنوبي مناخ
حار جاف بالغ
القسوة ( قاحل)
لا يسمح حتى
بنمو الأشجار.
ويتراوح موسم
الجفاف في
الشمال بين 10 و12
شهراً بينما
يتراوح في
الجنوب
والغرب، بما
في ذلك
مرتفعات جبل
مرّة، بين 7 و9
أشهر، ويستقر
متوسّط درجة الحرارة،
في الغالب،
عند درجة
حرارة 26
مئويّة.
وتؤثّر درجة
الحرارة
العالية هذه،
بصورة
ملحوظة، على
درجة توفّر
المياه في
المنطقة.
وبذلك يشكّل
النقص الكبير
في المياه في
ولاية شمال
دارفور مشكلة ايكولوجيّة
متعاظمة.
تظهر
خرائط نقص
المياه في
السودان
منطقة جبل مرّة
كجزيرة
مخضّلة
بالماء بمعدّل
هطول امطار
يتراوح بين 600 – 1000
مليمتر
مقارنة
بالسهول
المجاورة لها (
أنظر الخريطة
2) والتي
يتراوح
متوسّط
الأمطار
السنوي فيها بين
200- 500 مليمتر.
ويبدأ فصل
هطول الأمطار
مبكّراً في
هذه المنطقة
الرطبة في
ابريل ( نيسان)
لكن موسم
الأمطار
ينتهي في نفس
وقت إنتهائه
في المنطقة
الجافة، أي في
أكتوبر (
تشرين الاول)،
غير أن
المنطقتين،
الرطبة
والجافة، تتمتّعان
بقدر كبير من
التباين في
معدّل هطول
الأمطار،
ببعديه
المكاني
والزماني، إذ
يهطل نحو نصف متوسّط
معدّل
الأمطار
السنوي في
اغسطس ( آب)، كما
يسقط نحو نصف مقدار
أمطار هذا
الشهر خلال 5
أيام فقط، على
وجه التقريب.
كانت طرق
إستخدام
الارض في
الماضي
متكيّفة مع
هذه
التقلّبات
الهائلة في
مستوى سقوط
الأمطار. لكن
الزيادة
الكبيرة التي
طرأت على عدد
السكان، وعلى
حجم الثروة
الحيوانيّة،
خلال العقود
الاربعة
الأخيرة من
السنوات،
بالإضافة إلى
توسّع الزراعة
الآليّة
لمنطقة الري
المطري في ما
يتجاوز حدود
تأقلمها
إيكولوجيّاً
عند خط المطر (
500ملميتر) في
التربة
الرمليّة
لولاية شمال
دارفور، جعل
كل المنطقة
عرضة لتردّي
إيكولوجي
واسع النطاق.
وبالفعل بدأت
البيئة
الهشّة لهذه
المنطقة
تعاني من
اشتباكات
مسلّحة
وصراعات
دمويّة، تحت
وطأة التغيير
المناخي
والإستنزاف
البيئي الجائر.
الخريطة
(2)
الأحزمة
النباتية في
دارفور
2. 5–
الديار
كما
أسلفنا
سابقاً فإنّه
يمكن تقسيم
دارفور، بشكل
عام،
الى ثلاث
مناطق
سلاليّة (إثنيّة)
رئيسيّة: دار
زغاوة التي
يقطنها رعاة
الإبل في
الشمال (
الأبّالة)،
ودار الفور
التي تعيش
فيها مجتمعات
الفور
الزراعيّة في الوسط
( حاكورات)،
ودار رزيقات،
رعاة الأبقار،
في الأجزاء
الجنوبيّة
والشرقيّة (
البقّارة).
ولقد ترك
التردّي
البيئي أثراً
ملحوظاً، على
مستويات
عديدة، في هذه
المناطق، ليس
فقط لأنّ كل
منطقة تسكنها
مجموعة سلاليّة
محدّدة لها طريقتها
الخاصة في كسب
عيشها، وإنما
ايضاً لأنّ كل
منطقة لها
خصائص
إيكولوجيّة تميّزها
عن غيرها.
وبسبب هذا
الحيز
الجغرافي/ الايكولوجي
المحدّد، سيء
الحظ،
للمجموعات السلاليّة
الثلاث في
مناطق تتمايز
عن بعضها
بعضاً
إيكولوجيّاً (
أنظر الخريطة
3) فإنّ
إحتمالات
النزاع "
العرقي" بين سكان
هذه المناطق
ذات التمايز
الإيكولوجي أُفقيّاً،
تبدو محتملة
على الدوام
وعلى نطاق واسع.
إنّ هذا الإنقسام
السلالي- بيئي
شديد
الحساسيّة،
ويمكن أن
يشعل، في
أزمنة الندرة
والحاجة، من دون
جهد، فتيل
النزاع.
2 .6 -
المنطقة
الشماليّة
القاحلة
أولى هذه
المناطق
الثلاث هي
حزام الشمال
الأعلى، الذي
هو صحراء
تعتبر
إمتداداً
للصحراء الليبيّة،
وتسكنها
مجموعات ذات
أصول عربيّة
من رعاة الإبل
الرحّل
(الأبّالة).
ويتكوّن النسيج
القبلي-
السلالي لهذه
المنطقة من
قبائل
البديّات
والزغاوة غير
العربيّة
وقبائل
المهيريّا (
رزيقات)
والعريقات
والمحاميد
وبني حسين العربيّة.
وتعتبر هذه
المنطقة هي
الأكثر عرضة
للكوارث
والهشاشة
الإيكولوجيّة
بين الديار
الثلاثة. وهذه
حقيقة تفسّر
جزئيّاً
لماذا ظلّت
المجموعات
السلاليّة،
ذات الظروف
الماحقة
والقاحلة،
مشاركة بنشاط
في النزاعات
الدمويّة في
المنطقة،
إمّا ضد
المزارعين
المستقرين أو
في ما بينها.
2. 6. 1 –
المنطقة
الوسطى
الغنيّة
تعتبر
المنطقة
الإيكو-
سلاليّة
الوسطى، منطقة
جبل مرّة،
أغنى هذه
المناطق من
حيث خصوبة تربتها
وتوفّر
مياهها
السطحيّة
والجوفيّة
وغيرها من الموارد
الطبيعيّة.
ويقيم في هذه
المنطقة
مزارعون
تقليديّون
هم، على وجه
العموم، من
سكان المنطقة
تاريخيّاً
ومن أصول غير
عربيّة. وتشكّل
قبيلة الفور
المجموعة
العرقيّة الأساسيّة التي
تسكن هذه
المنطقة التي
أخذت إسمها عنهم.
يتكوّن
المقيمون في
قلب هذه
المنطقة وعلى
أطرافها،
وجميعهم من
غير العرب، من
الفور والمساليت
والبرتي
والبرقو
والبرقيد
والتاما والتُنجُر.
وعلى عكس
الرعاة من
العرب الرحّل
في المناطق
العليا
والسفلى فإنّ
وتيرة الحياة
في مجتمعات
الفور
الزراعيّة في
قلب المنطقة
الوسطى
تتميّز
بالتعايش
السلمي
والتناغم بين مجموعاتها
السلاليّة
(الإثنيّة) إذ
لم يسبق أن
وقعت بين
اطراف هذه
المجموعة
السلاليّة أيّ
صدامات
مسلّحة خطيرة.
إن
النزاعات
المعروفة،
التي نشبت في
أقاصي الاطراف
العليا
والسفلى من
المنطقة
الوسطى شديدة
الحساسيّة،
وقعت بصورة
رئيسيّة
نتيجة لهجمات
رعاة الابقار
الرحّل
القادمين من
الجنوب ورعاة
الإبل القادمين
من الشمال على
الاراضي
الزراعيّة
الخاصة بالفور.
وعلى خلاف
غيرها، فإن
هذه المنطقة
تعتبر منطقة
مستقرّة على
المستوى
الإيكولوجي إذ
تتمتّع بحد
معقول من
الوقاية في
مواسم الجفاف
الشديد
وغيرها من
التقلّبات
البيئيّة.
2.6.2 –
المناطق
الشرقيّة
والجنوبيّة
شبه الجافة
يقيم
في مناطق
دارفور
الجنوبيّة،
التي تضم أرجاء
حدودها
الشرقيّة مع
كردفان
المجاورة، بصورة
رئيسيّة،
رعاة أبقار من
القبائل العربيّة
الرحّل (
البقّارة).
وتعتبر هذه
المناطق أقلّ
إستقراراً من
الماطق
الوسطى لكنها
لم تعان من
الجفاف إلاّ
القدر اليسير.
تعتبر
قبائل
الرزيقات
والهبانيّة
وبني هلبة
والتعايشة
والمسيريّة
أهمّ القبائل
ذات الاصول العربيّة
لرعاة
الابقار. ومع
أن هذه
المناطق أكثر
استقراراً من
المناطق
الشماليّة
إلاّ أنّها
تتأثّر
كثيراً
بالتقلّبات
في معدّلات هطول
الأمطار. وقد
عانت هذه
المناطق
الأمرّين من
الجفاف خلال
العشرين
عاماً
الماضية
لدرجة أن بعض
سكّانها من
الرعاة
إضطرّوا إلى
الهجرة إلى
المناطق
الحضريّة أو
تحرّكوا نحو
المناطق
الوسطى
المرويّة
التي تسكنها
قبيلة الفور.
الخريطة
(3)
توزيع
السكان حسب
أسلوب كسب
العيش في
دارفور
2.
7- السكان
إن
التمايزات
السلاليّة (
الإثنيّة) في
ولايات
دارفور، كما
في السودان
عموماً، ليست
شديدة الوضوح
كما أنّها
ليست حادة. وبالنظر
إلى أهم
تمايزين
فرعيّين
فإنّه يمكن
تقسيم سكان
ولايات دارفور-
كما ذكرنا
سابقاً- إلى
المتحدّرين
من أصول
عربيّة وإلى
مجموعات
محليّة من
أصول غير عربيّة.
ومع أن بعض
المجموعات
العربيّة
تدّعي نقاءها
العرقي
العربي فإنّه
يجب ملاحظة أن
عروبتها ترتكز
على الإرث
الثقافي وحده
لا على
الإنتماء
العرقي.
وبالتالي فإن
إسم "العرب" يعني
فقط أولئك
المتكلّمين
باللغة
العربيّة
الذين
إمتزجوا عبر
عمليّات
تاريخيّة
بالمجموعات
الأفريقيّة
المحليّة غير
العربيّة السودانيّة.
إن قبيلة
الفور، أكبر
مجموعة
عرقيّة في
منطقة دارفور،
ذات الأصول
الأفريقيّة، تتكوّن
من مزارعين
مستقرّين
يستخدمون
الوسائل التقليديّة؛
كما أنّهم هم
مؤسسوا سلطة
الفور، وهم
الحكّام
التاريخيّون
للمنطقة. أما
المجموعات
غير العربيّة
الأخرى في
المنطقة فهي: الزغاوة
والميدوب
والمساليت
والبرتي والتاما
والمراريت
والتُنجُر.
ولقد أسّست
هذه المجموعات
غير العربيّة
" جبهة نهضة
دارفور" في
منتصف ستينيّات
القرن العشرين
في مواجهة
حملات
الإقصاء التي
تعرّضت لها المجموعات
العرقيّة
الدارفوريّة.
وكان الهدف
الأساسي
للجبهة هو
حماية مصالح سكان
دارفور
الأصليين وسط
عمليّات
الصراع
والتنافس
السياسي التي عانى
منها مركز
الحكم في
الخرطوم.
تتكوّن
القبائل
العربيّة في
ولايات
دارفور،
ومعظمها من
الرحّل، من
قبائل
الهبّانيّة
وبني حسين
والزياديّة وبني
هلبة
والجوامعة
والرزيقات
والمهيريّا،
بالإضافة
للتجار
العرب، من أهل
المدن، والمسئولين
الحكوميّين
الذين هم من
أبناء الجلاّبة.
ولقد شكّلت
هذه
المجتمعات ما
يسمى بـ
"التحالف العربي"
خلال منتصف
ثمانينيّات
القرن الماضي؛
وهو تحالف قام
من أجل الحصول
على الدعم الرسمي
والمالي من
الحكومة
المركزيّة
ومن الأحزاب
السياسيّة
السودانيّة
لقضيّة العرب
في المنطقة.
وكما
أشار
الباحثان
عبدالغفار
محمد أحمد وشريف
حرير(1982) فإنّ
سكان ولايات
شمال دارفور
يمكن تقسيمهم
أيضاً
باستخدام
تصنيف آخر إلى
4 أقسام هي:
البقارة (
رعاة الأبقار)
والأبّلة (
رعاة الإبل)
والزُرقة
(الإسم
المحلّي الذي
يطلق على
المزارعين من
غير العرب
وتعني بالدارجة
السودانيّة السود)
وسكان المراكز
الحضريّة (
أنظر الخارطة
3).
هناك
تقسيم آخر
يستند، أكثر
من غيره، إلى
البعد الثقافي
اعتمده
الباحث فؤاد
ابراهيم، وهو
يميز 4
مجموعات على
أساس علاقتها
بالدم والثقافة
العربية هي:
العرب
والمستعرَبون
والمستعرَبون
جزئيا وغير
العرب. ويقصد
فؤاد ابراهيم
بالعرب
السكان
المتحدثين
باللغة
العربية كالرزيقات
والزياديّة
وبني حسين
والجوامعة من
الرعاة، والذين
نتيجة
لزيجاتهم
المتبادلة مع
السكان
المحليّيين
تبدو ألوان
بشرتهم أكثر
سواداً من ذوي
الأصول
العربية من
غير
السودانيّين،
أما
المستعرَبون
تماما فهم
مجموعة
السكان الذين
تخلوا عن
لغاتهم
المحلية
وتبنّوا اللغة
العربية،
وينتمي لهذه
الفئة كل من
البرتي
والتُنْجُر.
أما الفئة
الثالثة وهي
المستعرَبون
جزئيّاً
فيتكوّنون من
هؤلاء الذين
حافظوا على
لغاتهم المحلية
لكنهم،
بالإضافة
إليها،
يتحدثون
العربية
بلهجات خاصة.
وقد وضع الكاتب
ضمن هؤلاء كل من
الفور
والزغاوة
والميدوب
والبرقيد والميما
والتاما
والكنانة.
من
جهة أخرى تبنى
الباحث سيان أُوفاهي
تقسيما
مختلفا فقد
أشار إلى أن
دارفور، من
ناحية سلاليّة
تُعتبر من أقلّ
المناطق
انتظاما في
توزيعها
العرقي في
السودان مما
يجعل التصنيف
إلى عرب وغير
عرب تصنيفا
عشوائيّا،
ويجعل اللجوء
للأنساب
والأصول
العرقية
مرجعاً غير
صالح للتصنيف
عمليّاً.
ويقترح أُوفاهي
تصنيفا يستند
إلى الهجرة
وإلى العوامل
اللغوية وسبل
كسب العيش
(المهنية)
كعناصر لمعرفة
التركيب
السلالي
لسكان دارفور
. لكن هذه الورقة
ستتبنى منهجا
أكثر رحابة
يجمع بين عناصر
اللغة وسبل
كسب العيش
والعنصر
الثقافي
الجهوي
لتحديد البعد
العرقي لسكان ولايات
دارفور. ووفقا
لهذا الاتجاه
الهجيني يمكن
تمييز ثلاثة
مجموعات
سكانيّة
تشترك كل منها
في شجرة النسب
ونوع النشاط
المعيشي (الإنتاجي)
بالإضافة إلى
العيش في الحيز
الجغرافي
نفسه للمنطقة
المتشابهة في عناصرها
الثقافية.
ووفقاً
لهذا الإتجاه
البديل ستكون
المجموعة
الأولى هي
رعاة الإبل
ورعاة البقر
الذين يعتبرون
أنفسهم عرباً.
وبالرجوع إلى
تصوّرهم المشترك
عن أنفسهم
فإنّهم يحملون
صفة " عرب" هذه
بإحساس ذاتي
بدوي ( رُحّل)
مدعّم بشعور
بالتعالي
ونزوع نحو
العنف. وتنظر
هذه المجموعة
إلى
المزارعين
المستقرّين
وغيرهم من
المجموعات
الريفيّة
الأخرى
كمجموعات
وضيعة المكانة
وأقلّ درجة
منها، ليس فقط
على الصعيد
العرقي وإنما
ايضاً على
الصعيد
الثقافي
إستناداً إلى
ما يعتبرونه
تدنّياً في
أنواع مهنهم
إذ يعتبرونهم
سكان "
التُكُل"
وتعني "
المطبخ" في إشارة
لنمط حياتهم
المستقر.
وتمجّد هذه
المجموعة
مفهوم
"الدار"-
الوطن- بوصفه
تجسيداً لمكانة
أهلهم
وتميّزهم عن
غيرهم.
ولحماية
الدار من
الدخلاء فإنّ
لكل فرع " خشم
بيت" في
المجموعة
السلاليّة
منظمته
العسكريّة
المحدّدة التي
يتزعّمها "
عقيد" أي قائد
محارب،
ويتشابه هذا
التشكيل
بالتنظيم
العسكري
النمطي كما يعرف
، على سبيل
المثال، بين
القبائل الألمانيّة
البدائيّة
التي قضت على
الإمبراطوريّة
الرومانيّة.
وعلى غرار
نظائرها
الأوربيّة
فإنّ هذه
المجموعات
العسكريّة –
الرعويّة لا
تتردّد ولا
تتورّع من غزو
ونهب المزارعين
" المحتَقَرين"-
حسب نظرتها
لهم- خصوصاً
في أزمنة
الندرة وشح
الموارد. وتُشكّل
الغارات
المسلّحة ضد
المجموعات
الأخرى،
خصوصاً تلك
التي تقيم في
المناطق
الزراعيّة،
استراتيجيّة
مهمة لتحاشي
العوز
والفاقة في
الأزمنة التي
تطبق فيها
المحن الكبرى
بخناقها على
الناس. وكما
أشار الباحث
البريطاني
الإكسندر دي
وال محقّاً فإنّ
الجوع
والمجاعة
ليسا هما
الأكثر
تأثيراً على
هذه
المجموعات
وإنما
التبعات الإجتماعيّة
والنفسيّة
للنزوح
بعيداً عن " الدار"
هي التي تقلق
أفراد هذه
المجموعة.
ويوضّح
الباحث دي وال
قوله بأنّ
سكان الريف
بغرب السودان،
المهيّئين في
العادة
لتحمّل أكبر
قدر من الجوع،
يجدون أن أكثر
ما يفزعهم عند
مجابهة خطر
المجاعة هو
العوز
وانهيار
النسيج
الإجتماعي
للدار.
تتكوّن
المجموعة
الثانية من
مزارعين
يزاولون
زراعة
موسميّة
متنقّلة،
بالإضافة إلى
عدد محدود من
المزارعين
المستقرّين.
وهؤلاء مواطنون
ريفيُّون
يتحدّرون
بصورة
رئيسيّة من أصول
غير عربيّة
أغلبهم من
قبيلة الفور،
وهم تقليديّاً
غير محتاجين
لتكوين
تشكيلات
عسكريّة على
عكس
المجموعات
الرعويّة
التي أشرنا إليها
سابقاً.
وبالنسبة
لهذه
المجموعة
فإنّها تعتبر
دارفور وطنها
بينما تعتبر
كل ما عداها
دخلاء على
المنطقة. وعلى
الرغم من أن
مزارعي الفور
يتميّزون تقليديّاً
بنزوع إلى
حياة السلم
إلاّ أنّهم في
بعض الأحيان
يجدون أنفسهم
منخرطين في
إشتباكات
متفرّقة مع
رعاة الأبقار
والإبل بسبب
تسلّل قطعان
هؤلاء إلى
مزارعهم.
ونتيجة لهذه
النزاعات
وتراكماتها
فإن
المجموعتين
تضمران قدراً
من العداء
وعدم الثقة
تجاه بعضهما
بعضاً.
تتكوّن
المجموعة
الثالثة،
التي تحمل ذات
الملامح
الثقافيّة
الجهويّة
والمهنيّة
المشتركة، من
التجار
والمسئولين
الحكوميّين
وأصحاب
الأراضي
المتغيّبين
والمهنيّين
المقيمين في
المناطق
الحضريّة. وعلى
عكس المجموعتين
المشار إليهما
سابقاً،
اللتين تمتلكان
نفوذاً
سياسيّاً
محدوداً،
فإنّ هذه المجموعة
الثالثة تلعب
دوراً مهمّاً
في الحياة
السياسيّة
والإقتصاديّة
للمنطقة.
2.
8 - الإقتصاد
تعتبر
دارفور، كما أسلفنا،
إحدى المناطق
المتأثرة
بالوتائر غير
العادلة وغير
المتوازنة
للتنمية في
السودان. وقد
نشأ هذا الوضع
نتيجة إهتمام
النخبة
الحاكمة
المتحيّز
لمنطقة سودان
وادي النيل
الأوسط
الغنيّة
نسبيّاً، والتي
ظلّت لسنوات
عديدة تنعم
بنصيب الأسد
من مصادر
الإستثمار
العام والخاص
على حساب بقيّة
أرجاء البلاد.
لذلك فإنّ
الإقتصاد
المحلّي لدارفور
يعكس كل ملامح
إقتصاد
المناطق التي
تعاني
الإستغلال
أكثر من
غيرها، وهي
المناطق التي
تعاني،
أيضاً، من
المأزق
المزدوج
بأنّها الاقل
تنمية في أكثر
البلدان
تخلّفاً.
إن
مثل هذا
التفاوت
الجهوي يعتبر
أحد أكثر اللامح
تجلّياً في
الإقتصاد
السوداني،
وهو يعكس كما يقول
الباحث
غور (1987) فجوة
تتّسع
باضطراد وعلى
الدوام بين
الأغنياء
والفقراء،
وبين المراكز
الحضريّة
الغنيّة
والمناطق
الريفيّة
المحرومة.
وأكّد غور
أنّه بينما
تتّسع الفجوة
بين البلدان الغنيّة
والفقيرة في
العالم فإنّ
من الواضح
أيضاً أن
الفجوة بين
المناطق/الطبقات
الفقيرة
والغنيّة
داخل البلدان
النامية
تتّسع أيضاً
وبمعدّلات
أكبر.
تتركّز
قاعدة
الإنتاج
الإقتصادي في
دارفور،
بصورة
رئيسيّة، على
الزراعة
المطريّة التقليديّة
والثروة
الحيوانيّة؛
وتتمتّع
الثروة الحيوانيّة
بالنصيب
الأكبر في
السوق. وتتداخل
هذه النشاطات
الإقتصاديّة
مع الصناعات
المنزليّة
والحرفيّة
المحدودة.
أمّا
القطاعات
الإقتصاديّة
الأخرى فهي
ذات حجم
متواضع. ولا
يملك قطاع
الخدمات في
المنطقة، هو
الآخر، سوى
تأثير
إقتصادي ضعيف
إذ يضم، فقط،
الخدمات
المحدودة
للغاية التابعة
للإدارات
الحكوميّة.
ويعتبر تصدّع
قطاع المواصلات
والبِنيات
التحتيّة
الأخرى مسئولاً،
بصورة خاصة،
عن الوضع
الراهن
لإقتصاد
منطقة دارفور
الواهن.
يمكن
تقسيم قطاع
الزراعة إلى
نشاطات
زراعيّة
صغيرة الحجم
بغرض إعالة
الأسرة مما
يعتبر سمة
أساسيّة من
سماة
المجتمعات
الريفيّة.
وينتج هذ النشاط
ما تحتاجه
الأسرة
لإستهلاكها
فقط. كما توجد
مشاريع
الزراعة
الآليّة،
المتوسّطة
والكبيرة،
التي تنتج
المحاصيل
النقديّة للسوق؛
ويشمل
إنتاجها الحبوب
الغذائيّة
والتبغ
والفواكه
والخضروات
والفول
السوداني.
وعلى امتداد
قطاعي الزراعة
المحدودة
للإعاشة
والزراعة
الآليّة يساهم
الإنتاج
المتدهور للصمغ
العربي،
أيضاً، في جلب
دخل إضافي،
خصوصاً لقطاع
مزارعي نظام الإعاشة.
تكمن
مساهمة
دارفور
الرئيسيّة في
الإقتصاد الوطني
في ثروتها
الحيوانيّة.
وفي هذا القطاع
يعمل
الجلاّبة
كوسطاء في
قطاعي
التجارة المحليّة
والدوليّة في
مجال تجارة
المواشي. ولقد
مثّلت الثروة
الحيوانيّة
خلال الفترة 1985-
1986 نحو 50 في
المائة من
ميزان المدفوعات
( الجدول 1) و20 في
المائة من
مجمل الناتج القومي
(GDP). وقد
كان نصيب
منطقة دارفور
من تجارة
الثروة
الحيوانيّة
القوميّة 30 في
المائة. وتضم
المنطقة 25 في
المائة من
إجمالي حجم
الثروة
الحيوانيّة
في السودان.
جدول
(1) :
قيمة
صادرات القطن
ونصيب الثروة
الحيوانية من
دخل الصادرات
1981\82 – 1985\86 (بملايين
الدولارات)
السنة
|
عائدات
الثروة
الحيوانية |
عائدات
القطن |
اجمالي
التصدير |
الثروة
الحيوانية % |
1981-82 |
99.7 |
99.4 |
432.0 |
23 |
82-83 |
128.8 |
174.6 |
581.1 |
22 |
83-84 |
133.2 |
333.3 |
722.2 |
19 |
84-85 |
197.3 |
245.0 |
595.4 |
33 |
85-86 |
237.5 |
136.0 |
497.4 |
50 |
المصدر
: البنك
الدولي (تقرير
الدولة ) :
السودان 1992
إن
هذا التحيّز المستمر
لإستثمار القطاع
العام في مجال
تربية
الحيوان في
المنطقة
يشكّل سجلاًّ
مخزياً. وتشمل
قائمة
المشروعات
الزراعيّة
القليلة،
التي جرت
مساعٍ
لإقامتها في
المنطقة،
المشاريع
التالية:
مشروع جبل
مرّة
التكاملي،
ومشروع
التنمية
الريفيّة،
والمشروع
الزراعي لغرب
الساقنّا،
ومشروع
البحوث
الزراعيّة
لغرب
السودان،
ومشروع ساق
النعام
الزراعي. وفي
ما عدا مشروع
جبل مرّة فإن
المشاريع
الثلاث الأخرى
فشلت فشلاً
ذريعاً، وهي
تعتبر أمثلة
نموذجيّة لسوء
تخطيط
مشروعات
التنمية
الريفيّة.
3-
نظرة
شاملة على
النزاع
المسلّح في
دارفور
مرّت
النزاعات
المسلّحة بين
المجموعات
السلاليّة
(الإثنيّة)
المختلفة في
دارفور
بمرحلتين رئيسيّتين
في تطوّرها:
نزاعات بسيطة
محدودة كالتحرّشات
" القبليّة"
والإشتباكات
المتقطّعة
التي تميّزت
بها الخلافات
منذ
خمسينيّات
وحتى
سبعينيّات
القرن
العشرين،
ونزاعات
متأجّجة،
واسعة النطاق وطويلة
المدى،
تفجّرت منذ
منتصف
الثمانينيّات.
وبينما تم في
الماضي
إحتواء النزاعات
السابقة
بسهولة،
ووُجِدت لها
الحلول
المناسبة
فإنّ
النزاعات
اللاّحقة
أثبتت أنّها
أكثر تعقيداً
وإستعصاءً
على الحل بالطرق
التقليديّة
التي كان لها
دورها في
الماضي.
3.
1 – تصاعد
النزاع
المسلّح في
دارفور
ظلّت
الإشتباكات
المتفرّقة
منذ منتصف
الثمانينات
حول المياه
والمراعي
تتوسّع
وتتزايد
وتائرها ودرجة
حدّتها حتى
تحوّلت علم 2003
إلى حرب كاملة
الملامح. لقد
فُقدت عشرات
الآلاف من الأرواح في نزيف دم
لم يسبق له
مثيل؛ وإزيلت
قرى بأكملها وأشعلت
فيها الحرائق
وتعرّضت
ممتلكات
أهلها للسلب
والنهب، وصار
مئات الآلاف
نازحين.
لقد
مارست
الحكومات
المتعاقبة
استراتيجيّات
متنوّعة
لمعالجة
النزاعات
المختلفة، لكن
مجهوداتها
أثبتت عدم
فعاليّتها، وفي
مناسبات
عديدة
أُتُهمت
الحكومة
المركزيّة
بأنّها
منحازة تحابي
أحد اطراف
النزاع ضد
الطرف الآخر.
3.
2 – المواجهات
السابقة:
إشتباكات
كانت
النزاعات قبل
منتصف
الثمانينيّات
عبارة عن إشتباكات
تتميّز
بطبيعة خافتة
الحدّة كما
أنّها موغلة
في طابعها
المحلّي وغير
متلاحقة
الوتائر.
ونادراً ما
كانت
النزاعات
تتجاوز
مجموعتين سلاليّتين؛
وتقف أمثلة
على ذلك
النزاعات
التي وقعت بين
الزغاوة
والمهيريّا
العام 1968، وبين
المعاليّا
والرزيقات
عام 1968، وبين
الرزيقات
والمسيريّة 1972-
1974، وبين بني
هلبة
والمهيريّا 1975-
1977، وبين
التعايشة
والسلامات 1978- 1981.
3.3
- المواجهات
الحاليّة:
الحرب
إن
الحرب
الأهليّة
واسعة النطاق
التي تدور رحاها
في دارفور
بدأت كنزاع
على درجة متوسّطة
من التوتر عام
1985 في أوج فترة
الجفاف التي
عمّت المنطقة.
وكان العنصر
الرئيسي الذي
لأدى إلى تفجير
هذا النزاع هو
تفكّك الصلات
الإقتصاديّة بين
المزارعين من
الفور
والرعاة من
الزغاوة بصورة
رئيسيّة. وفي
الماضي كان
يُسمح للرعاة
بدخول منطقة
جبل مرّة في
ديسمبر/كانون
الأول حينما
تصير المراعي
فقيرة، وكان
يُسمح لهم بالبقاء
هناك حتى
بداية موسم
هطول
الأمطار في
أبريل/ مايو
(نيسان/آذار).
ويُسمح للرعاة
بدخول منطقة
الجبل لسببين
رئيسيّين:
1-
يملك
المزارعون
جزءاً من
الثروة
الحيوانيّة
التي يرعاها
الرعاة،
ولذلك فإن
للطرفين
مصالح مشتركة.
2- تساهم
بقايا وفضلات
الحيوانات في
إثراء التربة
وتسميدها
وتكفل إنتاج
محاصيل جيّدة
في الموسم
المقبل.
في عام 1984/1985
حينما بدأت
الحيوانات
تموت سحب المزارعون
الفور ما تبقى
لهم من
حيوانات
وباعوها
جميعاً بسعر
منخفض. وحينما
أطلّ موسم
الرعي التالي
قدُم الرعاة
من الزغاوة
والمهيريّا
إلى الجبل كالعادة،
لكن
المزارعين لم
يسمحوا لهم
بالمرور إلى
المراعي. وقد
أحرق العديد
من المزارعين
سيقان
النباتات التي
تبقّت بعد
الحصاد وأغلق
البعض آبارهم.
ولم يكن أمام
الرعاة من
خيار سوى
محاولة
الدخول
بالقوّة. وهكذا
بدأ النزاع في
شمال دارفور.
دار هذا
النزاع خلال
دورتين:
الأولى خاضها
الزغاوة
والمهيريّا من
رعاة الإبل
الذين يسكنون
الأجزاء
الشماليّة
العليا من
حزام الصحراء
ضد المزارعين المستقرين
من الفور. أما
الدورة
الثانية للحرب
فخاضتها
المجموعات
الزراعيّة
غير العربيّة من سكان
منطقة جبل
مرّة ضد تحالف
عريض يتكوّن
من كل رعاة
القبائل من
ذوي الأصول
العربيّة
تقريباً. ومنذ
ذلك الحين،
وعلى الرغم من
المحاولات التي
قامت بها عدد
من الحكومات
المختلفة (عسكريّة
ومدنيّة) ظلّت
الصراعات
مستعرة،
وظلّت أسبابها
تتفاعل تحت
السطح كقنابل
موقوتة قابلة
للإنفجار،
ويتوسّع
نطاقها بشكل
كبير من وقت
لآخر.
وعلى
خلاف
الإشتباكات
المحليّة في
السابق، حول
المياه
والمراعي،
فإن النزاعات
التي تفجّرت
بعد العام 1985
أظهرت
نزاوعاً
منتظماً للرعاة
باحتلال أراض
في المنطقة
الوسطى بجبل
مرّة. وبينما
كانت
النزاعات
السابقة تلقائيّة
وغير متعمّدة
ولا تتصف
بالعنف
الشديد والإستمراريّة
فإن هذا النوع
الجديد، على
خلاف ما سبقه،
يتسم
بالضراوة
والإستمراريّة.
إن تدفّق
الرعاة من
الديار
الفقيرة
القاحلة إلى
قلب أراضي
المناطق
الوسطى
الزراعيّة
الغنيّة
للفور هو سبب
النزاع
المستمر، وهو
محاولة الذين
أصابهم
الجفاف
والتصحّر للإستحواز
على الواحات
الخضراء. ومهما
تفاوتت طرق
إدراك النزاع
فإنّه ليس سوى
نزاع قادت إليه
عمليّات
التنافس على
الموارد
المتناقصة
وسط منطقة
تعاني من
الندرة وشظف
العيش. وهو نزاع
يقدّم، مرّة
أخرى،
نموذجاً
للنزاع الإيكولوجي
التقليدي.
3. 3. 1 –
المرحلة
الاولى من
النزاع
المسلّح ( 1983- 1987) الزغاوة
والمهيريّا
ضد الفور
في هذه
المرحلة
إرتبط النزاع
إرتباطاً
وثيقاً
بالجفاف الذي
حلّ
بالمنطقة،
خصوصاً في أوائل
عقد
ثمانينيّات
القرن
العشرين. وقد
تحرّكت، خلال
هذه الفترة،
أعداد كبيرة من
الرعاة
الرحّل من
الزغاوة
والعرب
تاركين مناطق
الجفاف
نازحين
جنوباً إلى
مناطق قبيلة
الفور. لكن
الفور،
شعوراً منهم
أن الرعاة هذه
المرّة ينوون
الإقامة الطويلة،
لم يقابلوهم
بالترحاب. كان
الرعاة يخشون
حلول كارثة
بهم
وبحيواناتهم
لذلك دخلوا منطقة
جبل مرّة
بالقوّة. وكان
رد حاكم
دارفور في ذلك
الوقت ( كان
دارفوريّاً)
على إحتلال
أراضي الفور
قانونيّاً
لكنه لم يكن،
بالتأكيد،
رداً حكيماً.
لقد أمر
الحاكم الشرطة
بإجلاء المحتلّين
عن أراضي
الفور.
عانى
الزغاوة
الأمرّين على
أيدي قوات
الحكومة،
والتي
اتهمتهم
بسرقة
الحيوانات
وإحتلال الأراضي.
وفي مرّات
عديدة قامت
القوات
الحكوميّة (
من الشرطة
والجيش) بحرق
قرى الزغاوة،
كما قامت
بتصفيات
جسديّة، خارج
نطاق القضاء،
لقادة
محلّيين من
الزغاوة. وهكذا
وجد الزغاوة
أنفسهم أمام
خيار وحيد هو أن
يكوّنوا
مليشياتهم
الخاصة
ويتسلّحوا ضد
عمليّات
القمع التي قام
بها جنود
الحكومة.
لم
تعد السيطرة
على الأحداث
ممكنة مما قاد
إلى استخدام
واسع النطاق
للأسلحة
الحديثة من كل
الاطراف
المنخرطة في
النزاع (
الزغاوة والمهيريّا
والفور وجيش
الحكومة). وقد
استخدمت في
القتال ، بشكل
يومي، أسلحة
ناريّة
كالكلاشنكوف
والـ AK-47
و G-3
بالإضافة إلى
مدافع
الغرونوف
والآر بي جي
والمتفجّرات والمدفعيّة
الثقيلة
وقاذفات
القنابل. وقد
قدّرت منظمة "
أفريكا واتش"
في العام 1990 أن نحو
50 ألف قطعة
سلاح حديثة
أصبحت متوفّرة
في دارفور
خلال تلك
الفترة بواقع
قطعة سلاح
واحدة لكل شخص
فوق سن الـ 16.
وقد حصل
كل طرف من
أطراف هذا
النزاع على
هذا السلاح
الحديث الذي
استخدم في هذا
النزاع من جهة
خارجيّة
مؤيّدة له
سواء كانت تلك
الجهة حكومة
أو منظمة،
سودانيّة أو
ليبيّة أو
تشاديّة. وزاد
إستخدام مثل
هذه الأسلحة
من عدد
الضحايا ومن
تأجيج حدّة
النزاع
بشكل كبير.
وبمجرد
إشتراك هذه
القوى
الخارجيّة
أخذ النزاع
صفة النزاع
العرقي ذي
الطابع
الإقليمي العربي-
الأفريقي .
وتعسّرت
محاولات
إدراك
الأسباب
الأساسيّة للصراع بنقل
التركيز من
طبيعته كنزاع
إقتصادي-
إيكولوجي إلى
ساحة الصراع
السياسي العرقي-
الإقليمي.
المرحلة
الثانية من
النزاع
المسلّح ( 1987- 2003)
التحالف
العربي ضد
الفور
تصاعدت
المرحلة
الثانية من
الحرب (1987- 2003)
فاتخذت شكل
استقطاب عرقي
وأثبتت أنّها
أكثر ضراوة ووحشيّة
من المرحلة
الاولى.
ونتيجة لذلك
لم يعد
المقاتلون في
الميدان
والمراقبون
المستقلّون
يرون بجلاء
الأسباب
الجذريّة
للنزاع.
إن
التوثيق
الرائع
للنزاع الذي
أورده الباحث
شريف حرير (1992،
1993:1، 1993:2)، أكّد بحق
دلالة مايسمى
بـ "لعنة
الموقع
الإستراتيجي"
لأرض قبيلة
الفور التي
تتكوّن من
مرتفعات جبل
مرّة
وامتداداتها
والتي تعتبر،
كما اشرنا
سابقاّ، أغنى
مناطق الرقعة
المتأثّرة
بالجفاف
كلّها.
يؤكّد
الباحث شريف
حرير أن منطقة
الفور، بسبب
تمتّعها
بثروات
طبيعيّة كبيرة
نسبيّاً،
صبّت عليها
لعنة نزوح
موجات
متتالية من الرعاة
الرحّل. كما يؤكّد
شريف ايضاً أن
المرحلة
الثانية من
النزاع ، والتي
بدأت العام 1987،
وشاركت فيها نحو
27 قبيلة
عربيّة في
تحالف أطلق
عليه إسم "
التحالف
العربي"، لم
تشعل الحرب ضد
مزارعي قبيلة
الفور المستقرّين
فقط وإنما ضد
كل الزُرقة (
السُود)
والمجموعات
غير العربيّة
في المنطقة.
فقد أضحت
مليشيات
فرسان
القبائل
المسلّحة
(الجنجويد) هي
الأداة
العدوانيّة
للقبائل
العربيّة ضد
الفور، ثم
امتدت لتصبح
ضد كل القبائل
ذات الأصول
الأفريقيّة
في ولايات
دارفور.
وبالمقابل فإنّ
الفور نظّموا
وحداتهم
القتاليّة،
في البداية،
دفاعاً عن
أنفسهم،
بينما سعى
بعضهم لخلق
صلات سياسيّة
وعسكريّة مع
الجيش الشعبي لتحرير
السودان (SPLA).
إن
للمرحلة
الثانية من
الحرب في
دارفور قيمة كبيرة
في كشف الجذور
الإيكولوجيّة
للنزاع. لم يكن
الهدف
الأساسي
للرعاة،
والذي أظهرته
حالات كثيرة،
هو مزارعي
الفور وإنما
أرضهم. وكما
أشار تقرير
لمنظمة
آفريكا واتش
لحقوق الإنسان
(Africa Watch) في
العام 1990 فإن
الرعاة العرب
كانوا يعطون
مهلة يوم واحد
لسكّان قرى
الفور كي يخلوا
قراهم
ويتركوها
للعرب. ونبّه
الباحث شريف
حرير ( 1992) إلى
حقيقة أن
العرب أطلقوا
على الأراضي
التي أزاحوا
عنها الفور
إسم " الأراضي
المحرّرة".
أوقع
النزاع
أضراراً
هائلة بالسكان
والثروات. وقد
أشارت
التقديرات
إلى أنّه حتى
انعقاد مؤتمر
السلام في
العام 1989 لقي
أكثر من 5 آلاف
شخص من قبيلة
الفور و 400 من
القبائل
العربيّة
مصرعهم خلال
المرحلة
الثانية من
الحرب. وبلغ
عدد النازحين من
جرّاء النزاع
عشرات الآلاف
بينما تم حرق 40 ألف
منزل بالإضافة
إلى 700 قطيّة (
خيمة مصنوعة
من القش)، كما
صار المئات في
عداد
المعاقين.
وبالإضافة
لذلك نفقت
العديد من
الحيوانات
وضاعت الكثير
من الممتلكات
مما تقدّر
قيمتها
بمليارات الجنيهات.
ومع ذلك،
وعلى الرغم من
الثمن الباهظ
من الفقد في
الأرواح
والفقد
المادي
الكبير
الناتج عن
النزاع ،فإنه
استمر دون أن
يؤبه به على
المستوى
الوطني، ومن
دون أن يلحظه
أحد على
المستوى
الدولي. وقد
ساهم عاملان
في نشوء هذا
الوضع: أولهما
الإعتقاد
واسع النطاق
بأنّ ما يحدث
مازال نزاعاً
قبليّاً يجري
في مناطق
نائية وبعيدة
عن المركز.
وثانيهما أن
الحرب
الأهليّة في
الجنوب،
بطبيعتها
المعقّدة عرقيّاً
ودينيّاً،
كانت الأعلى
صوتاً، وألقت
بظلالها على
النزاع
وقلّلت من
أهميّته.
إن سوء
الفهم واسع
الإنتشار عن
طبيعة النزاع،
مصحوباً بعدم وضع
أدنى إعتبار
لأثر التردي
الإيكولوجي
في المنطقة،
قاد الحكومة
لانتهاج سياسة
عبثيّة بأن
نشر المزيد من
القوّات العسكريّة
في المنطقة
سيؤدي، في
نهاية المطاف، إلى
إنهاء الصراع.
لقد سمعنا في
السابق
بمحاولات
"ضرب البحر
لإخضاع
الامواج" ؛ لذلك
ليس من
المستغرب أن
تنشر حكومة
بمثل هذا
الحجم من
الهواجس
الأمنيّة ،
قوات عسكريّة
للقضاء على
أزمة إجتماعيّة
لصيقة الصلة
بالجفاف
والتصحّر.
4 – المرحلة
الثالثة من النزاع،
الحرب
في مطلع 2003
هاجم "جيش"
جيّد الإعداد
مدينة الفاشر
عاصمة إقليم
دارفور. وقد
جاء الهجوم
مفاجئاً
للحكومة.
وفشلت
محاولاتها
العجولة للتحكم
في سير الأمور
في المنطقة
فشلاً ذريعاً.
وكانت
الحركتان
والجيشان
اللذان بادرا
بالتحدى
ينتميان
لحركة تحرير
السودان (SLM) وحركة
العدل
والمساواة (JEM). وكانت
الحركتان
تمثّلان رداً
قويّاً على عمليّات
النزوح
القسري لمئات
الآلاف من
السكان ذوي
الأصول
الافريقيّة،
وبشكل رئيسي
من الفور
والزغاوة
والمساليت. وقد
إستطاعت الحكومة
في ما بعد
مجابهة الموقف
الجديد فزادت
من تدريب
وتسليح
الجنجويد وارسلت
أعداداً كبيرة
من الجنود
والعتاد
الحربي إلى
المنطقة.
وأخيراً،
استطاعت
الحكومة إحراز
تقدّم في
ميدان القتال.
4 .1 –
مجموعات
المتمردين
الدارفوريّين
وإحتمالات
السلام
أخذت حركة
تحرير
السودان (SLM) إسمها
نفسه من
الحركة
الشعبيّة
لتحرير السودان (SPLM)
في محاولة
واضحة لإتباع
طريقتها في
الكفاح.
وتتكوّن حركة
تحرير
السودان، بشكل
رئيسي من
مقاتلين
ينتمون إلى
قبائل الفور
والمساليت
والزغاوة، وأتى
معظمهم إلى
الحركة
كمدنيّين لهم
قليل من الخبرة
السياسيّة أو
العسكريّة.
وقد أتى بهم للحركة
سخطهم على
الحكومة
السودانيّة
وهويّتهم
المشتركة
كدارفوريّين.
وتعتبر
مجموعة الزغاوة
هي الأفضل
تنظيماً وتسليحاً
نتيجة توفر
إمكانيّة
حصولهم على
أموال أكثر من
شبكتهم
الواسعة في
السودان
وليبيا وتشاد.
ولكن الفور والزغاوة
يضمرون عدم
ثقة متبادل
كثيراً ما انتهى
إلى قتال مرير في
فترات
متقطّعة.
لا تثق
أيّ من هذه
المجموعات
بمجموعة أخرى.
وهذا ينطبق
بشكل خاص على
الفور
والزغاوة
الذين مرّوا
بتاريخ من
المواجهات
الدمويّة
خلال ثمانينيّات
القرن
العشرين. وقد
قادت هذه العداوة
غير الخفيّة،
في ما بعد،
الى سقوط حركة
تحرير السودان
الموحّدة
وقواتها
العسكريّة في
أيدي فصيل للزغاوة
يرأسه ميني
ميناوي وفصيل
للفور يرأسه
عبدالواحد.
أحد
العناصر
الأخرى لعدم
لعدم الوحدة
هو عدم الثقة
بين القادة
الشباب
المتمرّدين والإداريين
المحلّيين
التقليديّين.
وقد حاول
الشيوخ دون
جدوى أن
يكبحوا جماح القادة
الشباب لكنهم
خلال تلك
العمليّة
فقدوا نفوذهم.
المجموعة
الأساسيّة
الأخرى في التمرّد
هي حركة العدل
والمساواة
ذات الصلة
القويّة بـ د.
حسن الترابي
وحزبه، حزب
المؤتمر
الشعبي. وكان
د. خليل
إبراهيم،
قائد حركة
العدل
والمساواة،
المتحدّر من
قبيلة
الزغاوة، قد
تقلّد مناصب
وزاريّة هامة
في حكومة
الجبهة
القوميّة
الإسلاميّة. ومع
أنّه وقادة
حركة العدل
والمساواة
الآخرين قد
أكّدوا بقوّة
أنّهم قد
قطعوا كل
صلاتهم بالجبهة
الإسلاميّة
القوميّة
وبالترابي فإن
عدم الثقة في
حركة العدل والمساواة
مازال سائداً.
إن القدرة
العسكريّة
لحركة العدل
والمساواة
أقلّ كثيراً
من القدرة
العسكريّة
لحركة تحرير
السودان لكن
رؤيتها
وهيكلها
السياسيّين
أكثر تطوّراً
إذ أنّها تضم
عدد كبير من
السياسيّين المتمرّسين
بين صفوف
قيادتها.
4 .2 – أبوجا
واتفاقيّة
سلام دارفور
حرّكت
الصور التي بثّتها
القنوات
التلفزيونيّة
عن الأوضاع
البائسة للعديد
من سكان دارفور،
والظلم الذي
وقع عليهم،
قلوب وعقول
ملايين البشر
على نطاق
العالم. وقد
أجبرت قوة
الرأي العام
الأمم
المتحدة على
التحرّك، فنظّمت
الأمم
المتحدة منبر
أبوجا وأتت
بالحكومة
والمعارضة
لمائدة
المفاوضات. وقد
تعثّرت
المفاوضات
لعدّة أشهر في
حوار غير ذي جدوى.
وأخيراً ، في
الخامس من
مايو 2006 وقّع
ميني ميناوي
على اتفاقيّة
سلام أبوجا مع
حكومة السودان.
لكن
عبدالواحد،
ممثل الفور،
رفض التوقيع.
ومرّة أخرى
ذهب الفور
والزغاوة،
كلُّ إلى سبيله.
تعرّض ميني
لضغوط شديدة
من الولايات
المتحدة
وبريطانيا
والإتحاد
الأوربي، لكن
قيادته
العسكريّة لم
تكن متفقه
معه. وقد
إنسحب 19 من
كبار قادته
العسكريّين
من حركته
وكوّنوا
"مجموعة الـ
19". وبنهاية
عام 2006 صارت حركة
تحرير
السودان- فصيل
ميني لا تضم
سوى بضع مئات
فقط، وهو عدد
يقلّ كثيراً
عن حجم
المجموعة
الأصلي الذي
كان يبلغ نحو 10
ألف مقاتل!
ومع أن ميني
هو الآن رابع
أعلى تنفيذي
في حكومة
السودان فإنه
في الواقع لا
يملك أيّ سلطة
في الخرطوم،
وليس له سوى
قلة من المقاتلين
في دارفور.
وجد
الفور، أكبر
قبيلة في
دارفور،
وغيرها من
القبائل
الافريقيّة
التي عانت أكثر
من غيرها
والتي تمثّل
أغلبيّة
النازحين، أنفسهم
خارج
الإتفاقيّة.
وقد لقي الحل
السريع، الذي
اتسم
بالعجلة،
الدعم القوي
من الولايات
المتحدة
وبريطانيا،
الشيء الذي
يمكن تفسيره بحاجة
هاتين
الدولتين
لإحراز نجاح
عاجل بحل نزاع
دارفور. وكانتا
تحتاجان
لإقناع
العالم بأن
تدخلهما في
دارفور كان
مدفوعاً
بدوافع إنسانيّة
خالصة، ربما
لإعطاء تسويغ
أخلاقي
لتدخّلهما في
العراق
وأفغانستان!
إن
المجموعات
المقاتلة
فعليّاً الآن
هي الفصائل
الاربعة
الرئيسيّة
لحركة/ جيش تحرير
السودان
وحركة العدل
والمساواة.
ولكن هناك
الآن جهود
مستمرة
لتوحيد فصائل
حركة/ جيش
تحرير
السودان. لقد
تجمعت، لبعض
الوقت، كل
المجموعات
الرئيسيّة في
ما يسمى بجبهة
الخلاص
الوطني (NRF)،
وهي مظلّة لكل
من لم يوقّع
على اتفاقيّة
أبوجا، وذلك
في يونيو 2006 في
مدينة اسمرا
بأريتريا. " ولعدد
من الشهور نسّقت
المجموعات
على الارض
نشاطاتها
العسكريّة
تحت لواء جبهة
الخلاص
الوطني، على
الأقل بالإسم.
لكن بنهاية
عام 2006 تعرّضت
الجبهة إلى
حالات توتر
داخليّة نتجت في
الغالب عن
نجاحاتها
التي كانت
السيطرة عليها
صعبة
كصعوبة
تحمّل الهزائم !" (تانار
و توبيانا).
لقد
تحرّرت شهادة
وفاة
إتفاقيّة
أبوجا، وصار
ميني ميناوي،
على المستوى
السياسي،
ميتاً أكثر
منه حيّاً.
وانقسم الفور
إلى فصيلين،
والزغاوة إلى
عدّة فصائل،
أمّا حركة
العدل والمساواة
فلم تنل بعد
ثقة كل
الدارفوريّين.
أتّفق
تماماً مع
تانار
وتوبيانا بأن
هناك" ضرورة
لتحقيق درجة
من درجات
الوحدة بين المتمردين
قبل أن يتم
إجراء
مفاوضات جديدة".
إن
القوى التي
مارست مثل تلك
الضغوط
الهائلة على
ميناوي تقع
على عاتقها
الآن
مسئوليّة
أخلاقيّة
بمساعدة
الأمم
المتحدة قي
السعي
لإلتئام
الحركات الدارفوريّة
المختلفة،
وفوق ذلك، لإقناع
كل أهل دارفور
بجدوى العمل
المشترك لاجل السلام
والوحدة
والتنمية.
4
.3 – الجهات
الداعمة
للمتمردين
من
أين حصلت حركة
تحرير
السودان
وحركة العدل والمساواة
على الأسلحة
والمؤن
اللوجستيّة؟
إنهما تؤكّدان
أنهما أخذتا
أسلحتهما من
قوات احكومة ومن
مخازن
اسلحتها،
وهذا صحيح
جزئيّاً. ولكن
لا بد أن معظم
أسلحتهما
تأتي من مصادر
أخرى. ويمكن
للمرء أن
يتكهن فقط
بتلك المصادر.
ويمكن أن
يُركن إلى
اعتبار تشاد
وليبيا ضمن
هذه المصادر.
ولكن الأموال
التي تجمع
للقضيّة
تمثّل مصدراً
رئيسيّاً في
هذا الشأن.
مازال
الوضع
الإنساني
كئيباً بيد أن
المساعدات
الإنسانيّة
صارت تصل للنازحين.
لكن مايدعو
للخطر، أكثر
من غيره، هو
أن وضعاً
قائماً
جديداً قد
تشكّل. وقد
ظلّت العديد
مما تسمى
بالقبائل
العربيّة
تحتلّ أراضي خصبة
في جبل مرّة
منذ 20 عاماً.
فإذا أصرّ
الرأي العام
العالمي على
عودة
اللاجئين إلى
ديارهم، وهو
مطلب مشروع،
فماذا
سيفعلون بأولئك
الذين احتلوا
أراضيهم لوقت
طويل؟ وكيف
ستنظر لهم
القوى التي
ستحلّ
بالمكان؟
وأين عليهم أن
يذهبوا؟ وفوق
كل ذلك، هل
سيمكن تحقيق
هذا الهدف؟
إن
نزوح سكان جبل
مرّة قد خلق
وضعاً جديداً
وخطيراً. فلم
يعد أمر عودة
كل اللاجئين
إلى ديارهم
أمراً واضحاً
لا لبس فيه.
وبالتأكيد لا
بد من إستيعاب
وضع أولئك الذين
تحرّكوا إلى
داخل أراضي
اللاجئين
وجعلوها
وطناً لهم
للعديد من
السنوات.
4.4
– لماذا كانت
المرحلة
الأولى من
الحرب نزاعاً بيئيّاً
تقليديّاً؟
إن
للاطراف التي
تحارب بعضها
بعضاً في هذه
الصدامات
الداميّة
تاريخاً طويلاً
من التعاون
الوقائي،
وحالة نسبيّة
من التعايش
السلمي
المشترك. ففي
الماضي نشبت بين
القبائل
العربيّة
والفور عدّة
إشتباكات حول
الأراضي
وتسلّل
الحيوانات
لكنهم لم يشتبكوا
في حرب واسعة
النطاق.
ويعتبر
موقفهم العرقي
الحالي نتيجة
من نتائج
الحرب أكثر
منه سبباً
لها. إن جميع المشاركين
في النزاع لا
يجمع بينهم
فقط أنّهم مسلمين
سنّيّين- رغم
أنّهم لم
يكونوا في يوم
من الأيّام
متعصّبين في
معتقداتهم-
ويستخدمون
اللغة
العربيّة كلغة
جامعة؛ بل هم،
بالإضافة إلى
ذلك، لم يتركوا
العنان
لمشاعر إنتمائهم
لمجموعة
عرقيّة أن
تصبح سبباً
للصدام الملسّح.
لقد كان
الإنتماء
العرقي عندهم
وسيلة للتعاون
وليس
للمواجهات
العنيفة. ولم
تكن
المجموعات الدارفوريّة
المختلفة
أبداً تتميّز
بنزوع سلالي –
قبلي قوي في
تصنيفاتها
المتبادلة،
وبالتالي في
تعاملها مع
بعضها بعضاً.
إن الحواجز
السلاليّة
الضعيفة التي
برزت بينهم في
الماضي كانت
تشوبها مشاعر
الصداقة
والود المتبادل،
وكانوا
يتخطّونها
بسهولة عن طريق
الزيجات
المتبادلة أو
غيرها من
عمليّات الإنصهار
في مزيج من
الإنتماء
العرقي
المتبادل.
وكما
لاحظ الباحث
عبدالجليل (1984)،
فإنّ تحديد
الهويّة على
أساس
المعايير
الاربعة التي
تتكوّن من:
المنطقة
واللغة
والمهنة
والصلة
السلاليّة،
هي أقرب لأن
تكون ظاهرة
لصيقة بوضع
ما. إذن فإن
العمليّات
الفعليّة "تشمل
التقييم الذي
يجريه
المشاركون
الحقيقيُّون
في صنع
الأوضاع التي
وجدوا أنفسهم
فيها". وفي السوق
، حيث لا
يقدّم المظهر
أو الملبس
الوسائل الكافية
لتشخيص
الهويّة،
فإنّ " الخريطة
اللغويّة" قد
تكتسب أهميّة
خاصة. وإذا لم
تقتنع
الأطراف
بكفاية التعريف
اللغوي فربما
تتجه لواحدة
أو لكل معايير
التمييز
الإضافيّة
الثلاث
الأخرى.
ولدهشة
الباحث
عبدالجليل
فقد وجد أنّه
حتى الحدود
الفاصلة بين
المجموعات
القبليّة الرئيسيّة-
الفور والعرب
والزغاوة- كان
بالإمكان، في
الواقع،
التسرّب
عبرها،
وأنّها مرنة
وقابلة
للتغيير.
وأورد مثالاً
لذلك قبيلة
الجوامعة في
منطقة تورا
التي يعتقد أفرادها
أنهم من أصول
عربيّة خالصة
لكنهم أقاموا
في منطقة تورا
وصاروا
يعتبرون
أنفسهم من
الفور. كما
أورد الباحث
مثال عشيرة
تكيرا من
منطقة
تكيرابي من
عرب الرزيقات
والذين صاروا يعتبرون
أنفسهم من
قبيلة
الزغاوة.
لا
شيء سوى
انهيار
النسيج
الإجتماعي-
الإقتصادي
بوسعه أن يخنق
ويدمّر وشائج
ونماذج العلاقات
التبادليّة
السلميّة بين
هذه
المجموعات
العرقيّة
المنفتحة على
بعضها. إن
التدخّل
الهائل الذي
قاد لاستقطاب
حاد بين سكان
المنطقة،
وبلغ أوجه في
منتصق
ثمانينيّات
القرن
العشرين جاء به
الجفاف
المتواصل
والزحف
الصحراوي
الذي حلّ
بمنطقة
الساحل (SAHEL)
الأفريقي.
4
.5- لماذا وقفت
الحكومة الى
جانب الرعاة
في غرب السودان
وحاربتهم في
الشرق؟
يعكس
الهيكل
القطاعي
لإقتصاد
ولايات دارفور
الموقع الهام
الذي يحتله
إقتصاد
الثروة الحيوانيّة
بالمقارنة مع
الزراعة
والقطاعات الأخرى
للإنتاج
ولمجال
الخدمات. وقد
سجّلت عائدات
الصادر من
قطاع الثروة
الحيوانيّة
تقدّماً
مضطرداً
ومثيراً للإهتمام.
لقد تقدّمت
عائدات
القطاع
الحيواني (كما
يظهر في أرقام
الجدول 1) من 13 في
المائة خلال
منتصف
سبعينيّات
القرن العشرين
إلى 23 في
المائة في 1980/1981،
ثم في ما بعد
إرتفعت
لمستوى قياسي
إذ بلغت 50 في
المائة العام
1985/1986؛ وهي السنة
التي تجاوزت
فيها عائدات
هذا القطاع
صادرات القطن
الذي يعتبر
المصدر التقليدي
بميزان
المدفوعات
السوداني.
إن الدور
الرئيسي الذي
لعبته الثروة
الحيوانيّة
في إقتصاد
دارفور (
كمصدر يستخلص
منه التجار
الجلاّبة
أرباحهم)، من
ناحية عائدات
التجارة الداخليّة
ومن ناحية إيرادات
الصادرات، له
تبعاته على
الحرب الأهليّة
الدائرة
رحاها في
المنطقة. إن
عامل إستخلاص
الأرباح من
فائض الثروة
الحيوانيّة
بولايات
دارفور ترك
أثراً كبيراً
على قرار
الحكومة
المركزيّة
بالإنحياز
للرعاة ضد
المزارعين في
دارفور لكن كان
له أثر عكسي
في شرق
البلاد.
وبمقارنة
الأرباح التي
تجنى من
النشاطات الزراعيّة،
والتي هي في
الأساس
نشاطات
إكتفاء ذاتي
وإعاشة في
طبيعتها، فإن
مساهمة
دارفور
الإقتصاديّة
الأساسيّة
للمركز،
وبالتالي
لدورة استخلاص
الفائض
الوطني
العريض، تتم
عبر التجارة
في الثروة
الحيوانيّة
على مستوى
الأسواق
المحليّة،
وبالإضافة إلى
ذلك وبشكل
أكثر أهميّة،
من أجل
التصدير.
وهذا
الوضع يقف على
العكس من
الأوضاع في
شرق السودان،
حيث المصدر
الأساسي
للأرباح هو
قطاع الزراعة
الآليّة
العريض. وهذا
ما يفسّر لماذا
أيّدت أجهزة
الحكومة
المركزيّة
ومؤسسة الجلاّبة
أصحاب مشاريع
الزراعة
الآليّة
المتغيّبين
ضد الرعاة في
شرق السودان
رغم انتمائهم العرقي
للعرب
وتركتهم من
دون خيار سوى"
أن يقوموا
عمليّاً بشق
طريقهم
بالقوّة عبر
المزارع التي
تسدّ طرقاتهم
الموسميّة التي
يتبعونها
للوصول إلى
مناطق الرعي
التقليديّة" (
أحمد، 1992).
بينما
يجوب الرعاة المنتصرون
دارفور
"محرّرين"
الارض
وطاردين
للمزارعين عن
ديارهم،
بالتواطؤ
الضمني (
المباشر وغير
المباشر) للحكومة
معهم، فإن
أمثالهم من
رعاة المنطقة
الشرقيّة قد
وقع عليهم
تسلّط الدولة
للدرجة التي
جعلت أعداداً
متزايدة منهم
تتخلّى عن مسارات
قطعانها
التقليديّة،
أو تنخرط في
معارك شرسة
وخاسرة من أجل
إستعادتها.
إن موقف
الحكومة إزاء
النزاعين
حدّدته، بشكل
واضح، مصالح
القوى
الإجتماعيّة
التي تسعى إلى
استغلال
الفائض
الإقتصادي
الكامن. إنهم "
فئات
الجلاّبة"
الذين نجدهم
كملاّك للأراضي
في المناطق الزراعيّة
في الشرق
وتجار للمواشي
في الغرب.
الجدير
بالذكر هنا هو
أن الحكومة
اختارت تأييد
المجموعات
الرعويّة في
دارفور رغم
أنّها، من
زاوية الثقل
السكاني
النسبي،
تشكّل 15 في المائة
فقط من مجموع
سكان دارفور،
أي إنّها أقليّة
صغيرة إذا ما
قورنت بسكان
الريف المستقرّين
الذين
يشكّلون 74 في
المائة من
سكان المنطقة.
إن هذه القوّة
الإنتخابيّة
من المزارعين
المستقرّين
ليس لها سوى
القليل من
الأثر على الأنظمة
غير
الديمقراطيّة
التي اختارت
أن تنحاز إلى
جانب الرعاة
من مالكي
الموارد
الحيوانيّة،
ليس فقط بسبب
المصالح
الإقتصاديّة وإنما،
أيضاً،
لإستغلال
هؤلاء
المقاتلين
الأشدّاء
لإنفاذ
سياساتهم
العدوانيّة في
المنطقة وعلى
نطاق القطر
كلّه.
ومنذ
مطلع
ثمانينيّات
القرن
العشرين ظلّت
حكومات
المركز
المتعاقبة
تنظّم
فعليّاً آلاف
الرعاة
العرب
في مليشيات (المراحيل)
وبالطبع
استخدمتهم
عمليّاً كقوّة
عسكريّة
ثانية.
5 – البعد
الايدولوجي
الإسلامي في
الحرب
بموازاة
المصالح
الإقتصاديّة
التي أجّجت الحرب
وساعدت على
استمرارها
لكل هذه
المدّة الطويلة،
وبكل تلك
الخسائرة
الفادحة،
هناك عامل
أيدولوجي آخر
ساهم في فظاعة
الحرب. لقد
بدأ كل شيء خلال
ثمانينيّات
القرن
العشرين،
حينما أستقال
عدّة نواب
برلمانيّين
من الفور من
الجبهة
القوميّة
الإسلاميّة
لأن الجبهة
وقفت إلى جانب
الجنجويد ضد
الفور. ثم
حدثت أسوأ
حالة من
"الخيانة" للحزب
والحكومة في
أكتوبر 1990،
حينما قاد
داؤود بولاد
إنتفاضة في
دارفور ضد
الحكومة
الإسلاميّة. ولقد
هُزمت القوة
الصغيرة التي
قادها بولاد كما
تم إعدامه.
لكن بولاد كان
من قيادات
الفور
الإسلاميّة.
وكان في وقت
سابق رئيساً
لإتحاد طلاّب
جامعة
الخرطوم
ممثلاً
للتيار
الإسلامي
الطلابي.
وكانت هذه
صدمة أخرى
كبيرة للحزب الإسلامي
الحاكم.
تحدّث د. حسن
الترابي رئيس
الحركة
الإسلاميّة
في البلاد
والعقل المدبر
وراء كل قرار
لها حينذاك لصحيفة السودان
في عددها
بتاريخ 22
فبراير 1992 عن
خططه لدارفور
فقال:
" إن
الإسلاميّين
من القبائل
الزنجيّة
صاروا يعادون
الحركة
الإسلاميّة.
وتهدف خطّة
الجبهة
الإسلاميّة
إلى تأييد
القبائل العربيّة
باتباع
الخطوات
التالية:
التهجير القسري
للفور من جبل
مرّة وحصرهم
في وادي صالح ونزع
سلاحهم
كليّاً؛
وإعادة توطين
المهيريّا
والعطيفات
والعريقات (
قبائل عربيّة)،
وعدم إعادة
السلاح
للزغاوة
وتهجيرهم من كُتُم
إلى أم روابة (
ولاية شمال
كردفان)، وتسليح
القبائل
العربيّة
وتمويلها
بحيث تكون
نواة التجمع
العربي
الإسلامي".
تبدو هذه
الخطة
المجنونة
للهندسة
الإجتماعيّة
شبيهة
بإحدى
إستراتيجيات
"الحل الشامل"
لهتلر. وهي
تتصوّر
الإجلاء
القسري لنحو 3
ملايين نسمة
من ديارهم
التقليديّة.
ورغم تطرّف
الخطة فقد تم
تبنّيها وتطبيقها
بواسطة
الحكومة
الإسلاميّة
الحاليّة.
ورغم أن
المجموعة الحاكمة
قد إختلفت مع
د. الترابي
إلاّ أنّ خطّته
المشوّهة
واللاإنسانيّة
ما زالت تهيمن
على حقول
القتل في
دارفور.
وبالطبع فإن
المصالح
الإقتصاديّة
تلعب دوراً
كبيراً في
إدراك
النزاعات
المسلّحة إلاّ
أن عوامل أخرى،
موضوعيّة
وذاتيّة،
تساهم في تأجيجها.
وبالطبع فإن
مما لا
يقبله العقل
أن ترد،
أصلاً،
في الذهن مثل
هذه الخطة
اللا
إنسانيّة ، دع
عنك أن تحاول
حكومة مسئولة
تنفيذها على
أرض الواقع!
6 - السلام
في دارفور
يعني
الإقتسام
العادل للموارد
في أزمنة الندرة
كما
اشرنا
سابقاً، فإنّ
الحرب في
دارفور تعبّر
اساسً عن
محاولة رعاة
الماشية
الذين ضربهم
الجفاف دخول
واحة الجبل
وإزاحة قبيلة
الفور خارج
أراضي
منطقتها
الخصبة
"الرطبة"،
وذلك
بالسيطرة على
كامل المنطقة
وإجلاء
سكانها الذين
يقاتلون من
أجل الحفاظ
على ديارهم.
كان
هذا هو السبب
الحقيقي
للصراع
الدموي. ومن المدهش
أن كل محاولات
إيجاد حل
للنزاع لم تعط
لهذا العامل
الحاسم
إعتباراً
يذكر. وبدلاً
من إسداء
النصح
بإقتسام
الضروريّات،
والمشاركة في
الثروة
الطبيعيّة
للمنطقة، فإن
محاولات
الصلح قد
تركّزت على
مناورات
إقتسام السلطة
السياسيّة.
في
مقالة نشرتها
مجلّة دير
إبيربلك
الألمانيّة
في سبتمبر/
أيلول 1993 كتب
لوثر بواراوكسه
أن بعض
القبائل
المتحاربة في
جنوب أثيوبيا
قد إستطاعت أن
تصل إلى حل
لنزاعها الطويل
حول الموارد
المتناقصة في
المنطقة، وذلك
بالإتفاق على
خطة إقتسام
عادلة تعترف بـ
"حق" قبيلة
البوران على
اراضيهم
وثرواتهم وبـ
"حق" جيرانهم
الذين
يمرّون، هم
وحيواناتهم،
بمحنة، مثل
الكونسو
والتيسماي
والآربوري، في
البقاء عليها.
وقد وافقت
جميع الأطراف
ذات الصلة
بالأمر على خطة
للسلام تسمح
للحيوانات
بالدخول إلى
أراضي
البوران
مباشرة بعد حصاد
الذرة. ولقد
تدعّم الحال
باتفاقيّات
أخرى تتعلّق بإعادة
تأهيل
الموارد
والتنمية
بالإضافة للتعليم
المختلط
لابنائهم. وقد
تعهّد
المراقبون
لمحادثات
السلام
والطقوس
المرافقة
لها، من
منظمات
الإغاثة على
تأييد مبادرة
السلام بمنح
الدعم المالي لتسهيل
تطبيقها.
وفي
حالة دارفور
فإن الدعوات
المثابرة
لإقتسام السلطة
السياسيّة
تبدو أتية من
النخب
الحضريّة
التي تنتمي
لطرفي النزاع
أكثر مما تأتي
من المواطنين
المتأثرين بالنزاع
أنفسهم. لذلك
فإنني حينما
نشرت تقريري الأول
حول النزاع في
دارفور إقترحت
خطة الأربع
نقاط التالية
لسلام طويل
الأمد في
المنطقة:
1 –
وقف كل
الأعمال
العدوانيّة
والإتفاق على
التفاوض من
أجل إقامة
سلام دائم
يستند إلى
"حق" الفور في
البقاء في
أراضيهم و
"حق" العرب
الرحّل
وحيواناتهم
في البقاء
فيها من أجل
الحفاظ على
حياتهم في زمن
المحن مما
يستتبع
المشاركة
المؤقّتة في بعض
أراضي الرعي
والمياه. من
المهم في هذا
المجال
الإعتماد على
القيادة
المحليّة
أكثر من
الإعتماد على "
أولاد المدن"
الذين يقودون
المفاوضات،
في أغلب
الأحيان، نحو
مصالحهم
الشخصيّة،
مثل التفاوض
حول نصيب
سياسي في
السلطة في
المركز أكثر
من حل المشاكل
الفعليّة
التي تواجه
الأطراف
المتصارعة.
2 –
تجهيز خطط
بمساعدة
الحكومة، من
أجل توظيف مستمر
للأرض يهدف
إلى صيانتها
وإزالة آثار
الجفاف
ووقف الزحف
الصحراوي،
وإعادة تأهيل
طويلة الأمد
للمنطقة
المتأثّرة
به. ومن
الأشياء
الهامة في هذا
الإطار
الإحلال التدريجي
للمساحات
الواسعة لمناطق
الزراعة
المطريّة إلى
مزارع لتربية
الحيوان من
خلال إستخدام
منضبط للمراعي.
ومن الأشياء
الهامة أيضاً
الإتجاه نحو مؤسسات
التنمية
الوطنيّة
والعالميّة
وبرامج
الإغاثة من أجل
تهيئة الظروف
للوصول إلى
سلام دائم،
ومن أجل
التأهيل
البيئي
والإستخدام
الأمثل
للأرض، والإقتسام
العادل
للثروات
المتاحة.
3 –
تنويع قاعدة
الإنتاج في
المنطقة
بتنمية الصناعات
التي تحتاج
للعمالة
المكثّفة
والصناعات
اليدويّة
بهدف إمتصاص
العمالة
وفائض إنتاج
المزارعين
والرعاة.
4 –
تطوير
المواصلات
وشبكات
الإتصال
اللاسلكيّة
بهدف ربط
مواطني
دارفور واقتصادهم
ببقيّة أنحاء
القطر.
إن
نجاح خطّة
كهذه، على
المديين
المتوسط والطويل،
يعتمد بصورة
أوسع على
إرادة
الأطراف المتحاربة
في إحلال
السلام، وعلى
أن تكون
الحكومة المركزّية
طرفاً
فعّالاً في
عمليّة
ترتيبه والحفاظ
عليه؛ كما
يعتمد بشكل
كبير على
توقّف القوى
الإقليميّة (
ليبيا وتشاد
ومصر) عن
التدخّل في
الشئون الداخليّة
لدارفور،
وعلى
الإهتمام
الملموس ببرامج
التنمية
والعون
لتخفيف حدّة
الإستقطاب
الإجتماعي.
منذ
عام 2003 إتخذ
النزاع
أبعاداً
واسعة. وبالتأكيد
فإن النقاط
الاربعة
مازالت صالحة
ومطلوبة،
ولكن الوضع
الخطير الذي يوجد
الآن يحتاج
لمدخل أكثر
إتساعاً
لمعالجة
النزاع وحلّه.
وفوق ذلك
كلّه، يحتاج
لمشروع تحويل طويل
الأمد للنزاع،
يتعامل مع
المشاكل
الهيكليّة
وعوامل النقص
التي تتعرض
لها منطقة
دارفور
بكاملها.
والبداية بكلّ
تأكيد هي
إيجاد طرق
فعّالة
لتحقيق المشاركة
في الموارد وإدارتها
وتنميتها.
يتطلّب
حجم المشاكل
تحرّكاً
ضخماً على
المستويين
الوطني
والدولي.
ويتطلّب
الأمر مؤتمر
مائدة
مستديرة
تشارك فيه كل
الفصائل
المتحاربة
وحكومة
السودان وكل
الأحزاب
السياسيّة ومنظمات
المجتمع
المدني
بالإضافة إلى
المنظمات
الدوليّة،
خصوصاً الأمم
المتحدة
والإتحاد
الأفريقي
والإتحاد
الأوربي وغيره
من المنظمات
والأطراف
للسعي للوصول
إلى إتفاقيّة
حول المبادئ
الموجّهة
وعلى رأسها
إقتسام
الموارد في
أزمنة الندرة،
وبالطبع،
تنمية
الموارد
الموجودة والمحتملة
في دارفور.
وأحد الأمثلة
الهامة هو تنمية
موارد المياه
الجوفيّة
التي تحتوي
على مياه تكفي
لسد إحتياجات دارفور
لأكثر من 250
عاماً. وهناك
أيضاً إحتمال معقول
للعثور على
نفط في
المنطقة،
خصوصاً بعد
إكتشاف النفط
في السودان في
مناطق في
السودان تقع
شرق وغرب
دارفور، وفي
دولة تشاد.
نحن
نعرف أيضاً أن
حفرة النحاس
التي تقع جنوبي
كردفان
تَعد بإنتاج
كبير من الذهب
والفضة والألمونيوم
وغيرها من
المعادن
ثمينة القيمة.
كان
الصراع حول
الموارد هو
الذي فجّر
النزاع
الدموي، لكن
تكمن في الموارد
إمكانيّة
تحويل دارفور
إلى منطقة
مزدهرة. إن أربعة
وربما خمسة
ملايين من
البشر، في
مساحة بحجم
مساحة فرنسا،
وبموارد
وفيرة
محتملة، يجب أن
يكون في
مقدورهم
العيش في سلام
وازدهار.
ويمكن
للموارد أن
تكون نغمة أو
نعمة حسب طريقة
إستخدامنا لها.
خلاصة
القول أن
إحتمال تحويل
النزاع في
دارفور يكمن
في التنمية
المستدامة
وإستخدام كل الموارد
الموجودة
والمحتملة للمنطقة.
ويمكن
أيضاً أن
تكون الموارد
نعمة.
د.
محمد سليمان
لندن
مارس
2006
جدول
[2]
بيانات
هطول الأمطار
في دارفور 1950 – 1988
بالملميتر
السنة
|
متوسط
سقوط
الأمطار |
1950 |
535 |
1963 |
565 |
1964 |
502 |
1965 |
424 |
1966 |
410 |
1967 |
408 |
1986 |
484 |
1969 |
496 |
1970 |
495 |
1971 |
424 |
1972 |
445 |
1973 |
330 |
1974 |
468 |
1975 |
382 |
1976 |
408 |
1977 |
449 |
1978 |
445 |
1979 |
392 |
1980 |
451 |
1981 |
377 |
982 |
275 |
1983 |
270 |
1984 |
143 |
1985 |
381 |
1986 |
241 |
1987 |
232 |
1988 |
418 |
المصدر:
تقارير هطول
الأمطار
السنويّة 1955 – 1989،
شعبة الارصاد
الجوي،
السودان
References
Abu Elbashar, M. A. (1993) The Tribal War in
Abdul-Jalil, M. A. (1984), The Dynamics of Ethnic Identification in
Ahmed, A. M. and Harir
S. (1982), Sudanese Rural
Society: Its Development and
Dynamism, (Arabic)
Ahmed, A. M.
(1992), Rural Production Systems in the Sudan: A General Perspective, in Doornbos, C. (ed), Beyond Conflict in the Horn, ISS, The Hague,
Holland .
Baechler, G. and
Spillmann, K. How to Cope with Environmental Conflicts,
ENCOP, Swiss Federal Institute of Technology,
Barth, F. (Ed), 1069, Ethnic
Groups and Boundaries: The Social Organisation of Cultural Differences,
Universitetsforlaget,
Beshir, M. O. (1975), The
Beshir, M. O. (1970),
The
Beshir, M. O. (1984), Ethnicity,
Regionalism and National Cohesion in the
Buchanan-Smith, M. and
Mohammed, M. I. (1991) Regional Policy Food Insecurity: The Case of
De Wall, Alexander
(1989), Famine that kills,
Darfur, Sudan 1984 - 1985,
Oxford, U.K.
De Wall, Alexander
(1990), Emergency Food Security
in Western Sudan: What is it for?,
in Maxwell, Simon, To Cure all Hunger, IT, Exciter,
Aldridge, E. (1988), Food Crisis, Crisis Response and Emergency Preparedness:
The
Eriksen, T.1993, Ethnicity
and Nationalism: Anthropological Perspectives, Pluto,
ElNur,
Fukui, K and D. Turton
(eds), 1997, Warfare among East African Herders, Osaka, Senre,
Ethological Centre, No 3,National Museum of Ethnology
Fukui, K and J.
Markakis, 1994, Ethnicity and Conflict in the Horn of
Gore, P. W. (1987),
Poverty Versus Affluence: The Fiasco of
Rainfed Mechanized Agriculture in Renk District Southern Sudan, in Mohammed-Salih, M. A. (ed) (1987) Agrarian
Change in the
Gurr, T.R. and B. Harff,
1994, Ethnic Conflict in World Politics, Westview Press, Bounder CO.
Harir, S. (1993), "Arab Belt" Versus "African
Belt": Ethnic Political Conflict in
Harir, S. (1993), Racism in Islamic Disguise? Retreating
Nationalism and Up-surging Ethnicity in
Harir, S. (1992), Militarization of Conflict, Displacement and The Legitimacy of The State: A Case From
Hobsbaum, E. and T.
Ranger, The Invention of Tradition,
Holy, L. (ed), 1987, Comparative
Anthropology, Blackwell,
Ibrahim, F. N. (1984), Ecological
Imbalance in the Republic of the
Keen, David (1991), Targeting
Emergency Food Aid: The Case of Darfur 1985, in Maxwell, Simon To Cure all Hunger, IT,
Koke, P. N. (1992),
Adding Fuel to the Conflict: Oil, War
and Peace in the
Malwal, B (1981), People & Power in
Mohammed-Salih, M. A.
(1989), Ecological Stress, Political Coercion and Limits of State
Intervention;
O'Fahey, R. S. (1980), State
and Society in
Salter, S. and Rydjeski,
D (1986), Towards an Early
Warning System in
Suliman, M. (1993),
Civil War in the
Suliman, M. 1998, The
Inversion of Ethnicity from Perception to Cause of Violent Conflict, Friedensbericht,
Ruegger Verlag,
Suliman, M. 2000, The
Tanner, V. And Tubiana,
J, Divided they Fall: The Fragmentation
of Darfur’s Rebel Groups, the Small Arms Survey, Geneva, Switzerland
Tobin,